بابل
Bable
مقدمة
1. بابل كرمز أو علامة:
2. تأديب الله:
3. مدينة الشر:
4. الخروج من بابل:
5. دينونة بابل:
6. ديمومة سرّ بابل:
مقدمة
بعكس مصر التي لها في رمزية الكتاب المقدس معنى ملتبس، فإن بابل هي دائماً رمز لقوة الشر، ولو استخدمها الله أحياناً لكي يحقق مقاصده.
1. بابل كرمز أو علامة:
قبل أن تنشأ علاقة مباشرة بين إسرائيل والمدينة الكبرى- "بابل"- بين النهرين- كان لبابل وجود في أفق التاريخ المقدس. فبابل هي الاسم العبري "لبابلون" و برجها المشهورة الوارد عنه الحديث في تكوين 11: 1- 9، ما هو إلا البرج ذو الطوابق (أي زيككورات) بمعبدها الكبير. إن هذا البرج، الذي يرمز تماما إلى الوثنية البابلية، يتخذ أيضاً رمزا ًإلى كبرياء الإنسان. ولذا ترتبط بابل كرمز في تقليد الكتاب بحادث "بلبلة الألسنة"، وبذلك نرى طريقة الله في تأديب البشر على وثنيتهم القائمة على الكبرياء.
2. تأديب الله:
ومع ذلك، ومنذ بداية القرن السابع وبابل تقوم بدور مباشر في التاريخ المقدس. ففي تلك الفترة بالذات، كان الكلدانيون، وقد استولوا على بابل، يحلمون بانتزاع الشرق كله من سيادة مدينة نينوى. إنها قوة مرهوبة "تجعل من قوتها إلهها" (حبقوق 1: 11)، ولكنّ الله قصد أن يجعل هذه القوة جزءاً من تدبيره: تساهم بابل في تنفيذ دينونة الله ضد نينوى (ناحوم 2: 2 إلى 3: 19)، بل تصبح أيضاً ضربة الله بالنسبة إلى إسرائيل، وإلى الممالك المجاورة. كل هؤلاء دفعهم الله إلى يدي ملك بابل نبوكد نصّر، ولذلك سوف يحملون نيره (إرميا 27: 1- 28: 17). وبابل هي كأس الذهب التي سوف يُسكِر الله بها الشعوب (إرميا 25: 15-29، 51: 7)، وهي أيضاً المطرقة التي سوف يستخدمها في تحطيم الأرض كلها (إرميا 50: 23، 51: 20- 27). بالإضافة إلى ذلك سوف تقوم بابل بتنفيذ دينونة الله ضد يهوذا (إرميا 21: 3- 7)، وستصبح أرض بابل مكاناً للسبي حيث سيجمع الله بقية شعبه (إرميا 29: 1- 20). هذه هي الحقيقة المؤلمة التي يصفها سفر الملوك (2 ملوك 24- 25). ولكن على "أنهار بابل" حيث تركت الأنغام المكان للدموع (مزمور 137)، اختبر اليهود المسّبيون آلاماً مطهرة، تُعدُّ للتجديدات المستقبلة.
3. مدينة الشر:
دور مدينة بابل في تدبير الله لا يتعارض مع كونها مثالاً صارخاً لمدينة الشر. فهي مدعوة بكل تأكيد، إلى العودة يوماً ما، لكي تتحد بشعب الله (مزمور 87: 4)، تماماً مثل باقي الشعوب، بل مثل نينوى (إشعيا 19: 24، راجع يونان). ولكنها مثل نينوى وجدت ملذاتها في قوتها الذاتية (إشعيا 47: 7- 8، 10، راجع 10: 7- 14). وقد انتصبت في مواجهة الله بكبرياء وصلف (إرميا 50: 29- 32، راجع إشعيا 14: 13- 14). وتكاثرت خطاياها: السحر (إشعيا 47: 12)، والوثنية (إشعيا 46: 1، إرميا 51: 44- 52)، وكل أنواع القسوة. (قد صارت حقاً معبد النفاق (زكريا 5: 5- 11) بل "مدينة الباطل" (إشعيا 24: 21).
4. الخروج من بابل:
إذا كان السبي هو عقاب عادل لإسرائيل العاصي، فإنّه يصبح، بالنسبة إلى البقية الباقية، التي اهتدت بالاختبار، "أسراً" فوق طاقة الاحتمال، بل وغربة خطرة. وعند تمام السبعين سنة (وهو رقم اصطلاحي: إرميا 25: 11، 29: 10، 2 أيام 36: 21) ستأتي سنة الغفران (إشعيا 61: 2، راجع لاويين 25: 10). وقدوم هذا التحرير الذي طال انتظاره يكون خبراً ساراً لشعب الله (إشعيا 40: 9، 52: 7- 9).فالمسبّيون مدعوون لأن يتركوا مدينة الشر: "أخرجوا من بابل" (اشعيا 48: 20، إرميا 50: 8)، اخرجوا منها... ولا تلمسوا نجساً (إشعيا 52: 11). وسوف يتوجه هؤلاء بالتالي إلى اورشليم، كما لو كان هذا خروجاً جديداً. هذه اللحظة سيغمر مجرد ذكرها القلوب بالفرح (مزمور 126: 1- 2). وسيكون يوم الخروج يوماً من التاريخ في غاية الأهمية، حتى ليجعله متى الإنجيلي مرحلةً من مراحل عصر انتظار المسيَّا (متى 1: 11- 12)
5. دينونة بابل:
بينما يتجه هكذا التاريخ المقدس نحو منعطف جديد، إذا ببابل، سوط الله، تختبر بدورها أحكام الله. فها صورة الاتهام قد تليت ضد مدينة الشر، والحكم قد نطق به الأنبياء بفرح (إشعيا 21: 1- 10، إرميا 51: 11- 12) فينشدون على بابل مراثي السخرية (أشعيا 47). ويصفون مسبقاً خرابها الرهيب (إشعيا 13، إرميا 50: 21 - 28، 51: 27- 43). وسيكون هذا "يوم 1لرب" عليها (إشعيا 13: 6...)، يوم انتقام الرب من آلهتها. (إرميا 51: 44- 57). وسيكون دخول قورش المنتصر بمثابة المقدمة لذلك (إشعيا 41: 1- 5، 45: 1- 6). وستنقضّ عليها جيوش أرتحششتا في عام 485 حتى تدمر المدينة عن بكرة أبيها، فلا يبقى فيها حجر على حجر (راجع احتمالياً إشعيا 24: 7- 18، 25: 1- 5). وعلى 1لرغم من هذا فإنها سوف تظل حية في ذاكرة اليهود، نموذجاً للمدينة الوثنية المحكوم عليها بالخراب. أما ملكها "نبوكد نصّر" فهو نموذج الطاغية المتكبر المتهتك للقدسيات (دانيال 2 إلى 4، يهوديت 1: 1- 12).
6. ديمومة سرّ بابل:
سقطت مدينة بابل التاريخية قبل فترة طويلة من ظهور العهد الجديد. ولكن من خلالها صار شعب الله على وعي بسرّ الاثم الدائب على العمل باستمرار في هذه الدنيا. صارت بابل وأورشليم المنتصبتان كل منهما ضد الأخرى، المدينتين اللتين ينقسم الشر بينهما، وبحسب التعبير المسيحي، إنّ مدينة الله هي في مواجهة مدينة الشيطان. وفد لاحظت الكنيسة الأولى فوراً أنها انجذبت هي الأخرى في فاجعة المدينتين اياهما. فتجاه أورشليم الجديدة تستمر بابل تعارضها كل حين (غلاطية 4: 26، رؤيا 21). ومنذ عهد اضطهاد نيرون، اتخذت بابل وجه رومة الإمبريالية (1بطرس 5: 13)، ويصفها كتاب الرؤيا في هذا الصدد بأنها هي إلى الزانية المشتهرة، الجالسة على عرش الوحش، القرمزي، والسكرى بدَم القديسين (رؤيا 17)، فإنها تسير في رفقة التنين الذي هو الشيطان، والوحش الذي هو المسيح الدجَّال. وهذا ما يحدو شعب الله على الهرب (رؤيا 18: 4)، لأن دينونة الله قد اقتربت. ومدينة بابل العظيمة سوف تسقط. (رؤيا 18: 10- 8)، وسوف تندبها الشعوب التي تعادي الله، أما السماء فسوف تفرح (رؤيا 18: 9 إلى 19: 10).
ذلك هو المصير النهائي الذي ينتظر مدينة الشر، وكل كارثة تاريخية تحل بالممالك الأرضية المعادية لله ولكنيسته، تكون بمثابة تحقيق لهذه الدينونة الإلهية.
وبذلك تجد التنبؤات الواردة في العهد القديم على بابل تحقيقها في آخر الأزمنة، في إطار كتاب الرؤيا وتبقى التنبؤات معلّقة كتهديد مسلط فوق الأمم الخاطئة التي تُجَسِّد من جيل إلى جيل سرَّ بابل.