شهادة
Temoiganage
العهد القديم
أولاً: شهادة الناس
ثانياً: شهادة الله
1. الله شاهد:
2. شهادة الله لذاته في الشريعة وشهادته عن طريق الأنبياء:
ثالثاً: شهود الله
العهد الجديد
أولاً: من شهادة الناس إلى شهادة الله
ثانياً: شهادة يسوع
ثالثاً: شهود يسوع
1. شهادة الرسل:
2. من الشهادة إلى الاستشهاد:
العهد القديم
أولاً: شهادة الناس
تقوم الشهادة في الإقرار بحقيقة حادث ما، بالطريقة الرسمية التي تتطلبها الظروف. ويدعو الأمر إليها خاصة أثناء الدعوى أو النزاع بين أطراف مختلفة، وقد تقوم مقامها بعض الأشياء بقوة اتفاق ما: مثل كومة جلعاد، بالنسبة لمعاهدة يعقوب ولابان (تكوين 31: 45- 52)، والرهائن المسلمة لتامار عندما اتَهمت بالفسق (38: 18- 25).
على أنّ الكتاب المقدَس يهتم أكثر ما يهتم بشهادة الناس مبيَناً خطورة هذه الشهادة وتنظم الشريعة استخدامها: لا يجور الحكم على أحد، دون شهادة بعض الشهود (عدد 5: 13)، فسواء أكان تداركاً للخطأ أم لسوء النية، تطلب الشريعة أن يكون هناك على الأقل شاهدان (عدد 35: 30، تثنية 17: 6، 19: 15 راجع متى 18: 16)، ويقوم الشهود في الدعاوى الكبرى، ببدء تنفيذ الحكم إذ إنهم أول من يحملون مسئوليته (تثنية 17: 7. راجع أعمال7: 58).
وقد يسرب الكذب إلى هذا الفعل الذي فيه يلتزم الإنسان بكلمته: ومن هنا شكوك أصحاب المزامير من الشهادات الكاذبة التي تضنيهم (مزمور 27: 12، 35: 11). ويروي لنا الكتاب المقدس بعض محاكمات مأسوية، تقوم فيها تلك الشهادات بالدور الأساسي (1 ملوك 21: 10- 13، دانيال 13: 34- 41).
الوصايا العشر تحرم بشدة شهادة الزور (تثنيةة 5: 20)، وأما كتاب التثنية فيحدّد عقوبتها تبعاً لمبدأ "المثل بالمثل" (تثنية 19: 18- 19) و يندَد بها "الحكماء" (أمثال 14: 5 و25: 19، 5 و9، 21، 28، 24: 28، 25: 18)، لأنها أمر يرذله الرب (أمثال 6: 19).
ثانياً: شهادة الله
1. الله شاهد:
فوق شهادة البشر، هناك شهادة الله التي لا يستطيع أحد أن ينقضها. ففي الزواج، يقوم الله مقام الشاهد. بين الرجل وامرأة صباه (ملاخي 2: 14). وهو ضامن العهود التي يعقدها البشر في حضرته (تكوين 31: 53 - 54، أرميا 42: 5). ثم انه يمكن اتخاذه تعالى كشاهد في الإقرارات الرسمية (ا صموئيل 12: 5، 20: 12). وهو الشاهد الأسمى الذي يمكن رفع الدعوى إليه لتفنيد شهادات البشر الكاذبة (أيوب 16: 7- 8 و19).
2. شهادة الله لذاته في الشريعة وشهادته عن طريق الأنبياء:
ولكن تؤخذ شهادة الله في أغلب الأحيان بمعنى آخر يرتبط ارتباطاً وثيقاً بمفهوم الكلمةّ. فأولاً، يشهد الله لنفسه. سواء عندما يكشف لموسى معنى اسمه:، (خروج 3: 14) أو عندما يصرَح بأنه هو الإله الواحد (خروج 20: 32). وهذه الشهادة المؤيدة بقسم (إشعيا 45: 21- 24) هي أساس عقيدة التوحيد عد بني إسرائيل. إلا أن الله يشهد أيضاً على الوصايا التي تحويها الشريعة (2 ملوك 17: 13، مزمور 9 ا، 8، 78: 5 و 6 5، 11.9، في أماكن متفرقة). من أجل هذا تسمَى لوحا الشريعة "الشهادة" (خروج 25: 16... 31: 18). ويُسمىَ تابوت العهد بتابوت الشهادة، من حيث أنه يتضمن لوحي العهد (25: 22، 40: 3 و5 و21- 22)، وتصبح المظلة مسكن الشهادة (38: 21، عدد 1: 50- 53).
وهناك أخيراً شهادة إلهيّة ينقلها إلينا الأنبياء. إنها عبارة عن شهادة رسمية (راجع إشعيا 43: 10 في السبعينية) تتم في إطار الدعوى المرفوعة من الله على شعبه الجاحد (راجع مزمور50: 7). بصفته الشاهد الذي لا يخفى عليه شيء، يشهر الله كل خطايا بني إسرائيل (إرميا 29: 23) جاعلاً من نفسه شاهد إثبات (ميخا 1: 2 عاموس 3: 13 ملاخي 3: 5)، ليحصل على رجوع الخطأة عن طريق الشرير
ثالثاً: شهود الله
مثلما هي الحال في العهود البشرية، تثبت بعض الأشياء تعهدات شعب إسرائيل لله فهذه الأشياء لها قوة الرمز وتشهد ضد هذا الشعب في حالة خيانته: من قبيل ذلك نجد كتاب الشريعة (تثنية 31: 26) ونشيد موسى (تثنية 31: 19 - 21)، وقد تقوم السماء والأرض بمثل هذه الشهادة (تثنية 4: 26، 31: 28).
ومع ذلك فهناك شهادة لا يمكن أن يقوم بها إلا البشر وحدهم. على أنه لا بدَ لما من دعوة يخصهم بها الله. وهذه الحال في دعوة الأنبياء، وهذا ما نراه أيضاً في دعوة داود الذي جعله الله شاهداً أبناً (مزمور89: 37- 38، راجع 1 صموئيل 12: 5). أمام الأمم (إشعيا 55: 4). هذا أيضاً حال شعب إسرائيل بأسره، فهو كشعب مكلَف على هذه الأرض بأن يشهد لله أمام الشعوب الأخرى وأن يقر بأنه وحده هو الله (إشعيا 43: 10- 12، 44: 8). عكس الأصنام الذين لا يستطيعون أن يقيموا شهوداً في عكس صالحهم (43: 9) ولا تلغي خيانات شعب إسرائيل لدعوته هذه امتيازاته كشعب مختار، بل عليه أن يجد في تلك الدعوة ينبوع ثقته (44: 8).
العهد الجديد
أولاً: من شهادة الناس إلى شهادة الله
على غرار العهد القديم، يشجب العهد الجديد شهادة الزور التي نجد لها أمثالاً في محاكمة يسوع (متى 26: 59- 65) ومحاكمة اسطفانوس (أعمال 11:6- 13). وتتخذ الجماعة المسيحية لنظامها الداخلي قاعدة الشاهدين أو الشهود الثلاث التي ينص عليها كتاب التثنية (متى 18: 16، 1 تيموتاوس 5: 19).
لكن مفهوم الشهادة يتسع خاصة في اتَجاه يبتعد عن المجال القانوني. إنّ الرجل الصالح ينال الشهادة الحسنة ممن يعرفونه على هذا النحو: يشهد اليهود ليسوع (لوقا 4: 22) ولكرنيلوس (أعمال 10: 22) و لحنايا (22: 12)، وعلى هذا النحو، تشهد الجماعة المسيحية للشمامسة الأولين (6: 3) ولتيموتاوس (16: 2) ولديمتريوس (3 يوحنا 12، راجع 3: 6) ولبولس نفسه (1 تسالونيكي 2: 10). ويشهد بولس من جهته لكنائس كورنتس (2 كورنتس 8: 3) وغلاطية (غلاطية 4: 15). فهنا تأخذ الشهادة قيمة دينية محضة.
فحياتا المسيحية لا تعزلنا بعضنا عن بعض ولكننا نحياها في حضرة جمهور غفير من الشهود يشجعونا على المزيد من الحرارة في العبادة، منهم الأحياء (1 تيموتاوس 6: 12)، ومنهم أيضاً الذين سبقونا في الإيمان (عبرانيين 12: 31). إن الله ذاته هو على قمة هؤلاء الشهود: قد شهد شهادة حسنة لقديسي العهد القديم (أعمال 13: 22، عبرانيين 11: 2 و54 و39) كما شهد للمؤمنين الجدد الذين أتوا من الوثنية (أعمال 15: 8).
ثانياً: شهادة يسوع
ينصبّ الآن موضوع الشهادة حول يسوع، بالمعنى الذي كان له في الشريعة وفي كرازة الأنبياء، يسوع هو الشاهد الأمين الأسمى (رؤيا 1: 5، 3: 14). لقد جاء إلى العالم ليشهد للحق (يوحنا 37:18). إنه يشهد بما رأى وسمع عند الآب (3: 11 و32- 33)، يشهد ضد العالم الشرير (7: 7) ويشهد لنفسه (8: 13- 14).
صل قمة شهادته قي اعترافه أمام بيلاطس ((1 تيموتاوس 6: 13) كاشفاً بذلك عن تدبير الله الخلاصي (2: 6). وفي الواقع، تتمتع هذه الشهادة المرفوضة من العالم غير المؤمن (يوحنا 11:3، 8: 13) بقيمة شرعيّة لا جدال فيها، إذ تسندها شهِادات أخرى: مثل شهادة يوحنا المعمدان التي تلخّص كل رسالته (1: 6- 8 و15 و19، 3: 26- 28، 5: 33- 36)، وشهادة الأعمال التي صنعها يسوع، بتكليف من أبيه السماوي (5: 36، 10: 25)، كما أنها مؤيدة بشهادة الآب نفسه (5 31- 32 و37- 38، 8: 16- 18)، ومعلنة بوضوح في الكتب المقدسة (5: 39، راجع عبرانيين 7: 8 و17، أعمال 10: 43، 1 بطرس 1: 11)، والتي لا بدّ من تصديقها إن لم نرد أن نجعل الله كاذباً (1 يوحنا 5: 9- 11).
إلى ذلك كله يضيف الاختبار المسيحي شهادة ماء المعمودية ودم الذبيحة الإلهية. اللذين يشيران بلغة الرموز إلى الحقيقة نفسها التي يعلنها لنفوسنا الروح القدس (1 يوحنا 5: 6- 8)0 لأن الروح الذي أعطي لنا يشهد ليسوع (يوحنا 15: 26) ويشهد أيضاً بأنا أبناء الله (رومة 8: 16). تلك هي مجموعة الشهادات التي تؤيد شهادة يسوع. إننا بقبولها نتقبّل بخضوع شهادة يسوع وندخل حيِاة الإيمان.
ثالثاً: شهود يسوع
1. شهادة الرسل:
تأخذ الشهادة، لكي تصل إلى الناس، صورة واقعية، ألا وهي التبشير بالإنجيل (متى 24: 14). ومن أجل نشر الإنجيل في العالم أجمع، أقام يسوع الرسل شهوداً له (أعمال 1: 8). ومن ثم عليهم أن يجهروا رسمياً أمام الناس، بكل الأعمال التي حدثت، ابتداء من معمودية يوحنا حتى صعود يسوع، ولاسيما بقيامته التي جاءت مصداقاً على سيادته المطلقة (1: 22، 2: 32، الخ...)، وبعبارة مماثلة، يمكننا وصف رسالة بولس: فقد أقيم، على طريق دمشق، شاهداً للمسيح أمام كل البشر (15:22، 26: 16). في كل مكان من البلدان الوثنية، يجاهر بقيامة يسوع (1 كورنتس 15: 15)، وينشأ الإيمان في الجماعات المسيحية بقبول هذه الشهادة (2 تسالونيكي 1: 10، 1 كورنتس 1: 6).
هذه الرابطة الوثيقة بين الإنجيل والشهادة،نجدها أيضاً في كتب يوحنا. تقوم الرواية الإنجيلية على مستندات تاريخية يقدّمها شاهد عيان (يوحنا 19: 35، 21: 24)، لكن من حيث إنّ هذه الشهادة يلهمها الروح القدس (يوحنا 16: 13)، في تنصبّ أيضاً نحو السر الذي يختفي وراء الأحداث، ألا وهو سرّ كلمة الحياة الذي جاء في الجسد (ا يوحنا 1: 2، 4: 14). إنّ المؤمنين، بقبولهم هذه الشهادة الرسولية، يحصلون منذ ذلك الحين في أنفسهم على شهادة يسوع التي هي نبؤة الأزمنة الجديدة (رؤيا 17:12، 19: 21). ولذا يتخذ الشهود المكلفون بتوصيلها ملامح الأنبياء السابقين (11: 3- 7).
2. من الشهادة إلى الاستشهاد:
يبدو دور شهود يسوع، بوضوح أكثر، عندما يترتب عليهم أن يشهدوا أمام السلطات والمحاكم تبعاً للرؤية التي تنبأ بها يسوع مستبقاً الإثني عشر (مرقس 13: 9، متى 10: 18، لوقا 21: 13- 14). عندئذ تأخذ الشهادة طابعاً رسمياً إلا أنها غالباً ما تعقبها الآلام "فبسبب الشهادة ليسوع" (رؤيا 1: 9) يحتمل المؤمنون الاضطهاد، وأولهما اسطفانوس الذي ختم شهادته بدمه المسفوك (أعمال 22: 20). ويتوقع شهود الإنجيل نفس المصير على هذه الأرض (رؤيا 11: 7). فما أكثر الذين سيسفكون دمهم "في سبيل كلام الله والشهادة التي شهدوها" (6: 9، 17 : 6). ستسكر بابل، رمز القوة الشرسة المعادية للمدينة السمائية، بدم هؤلاء الشهود (17: 6). ولكن لن يكون لها النصر إلا في الظاهر أما في الحقيقة هم الشهداء الذين بالاشتراك مع المسيح، سيغلبون إبليس، "بدم الحمل وبكلمة شهادتهم" (12: 11). وليس الاستشهاد سوى شهادة الإيمان الممهورة بشهادة الدم.