الفصل الأول: الإلهام والوحي
- الإلهام.
- نشأة الإلهام.
- بشرية الكتاب المقدَّس وموهبة المؤلِّف.
- العلاقة بين الإلهام والمؤلِّف.
- الإلهام والوحي.
- الوحي.
- التقليد اليهوي.
- التقليد الأيلوهي.
- تثنية الإشتراع.
- التقليد الكهنوتي.
- عمل الأنبياء بقيادة الروح القدس.
- صون ونقل كلمة الله.
- الأشخاص المذكِّرين بالوصايا الإلهية.
- المبادرة الإلهية.
- العهد القديم في العهد الجديد.
- القيمة الثابتة للعهد القديم.
- كتابة العهد الجديد.
الفصل الأول: الإلهام والوحي
(عبرانيين1/1-3): "إنَّ الله، بعدما كلَّم آباءنا قديماً مرَّاتٍ كثيرة بلسان الأنبياء كلاماً مختلف الوسائل، كلَّمنا في هذه الأيام، وهي آخر الأيام، بلسان الابن الذي جعله وارثاً لكلِّ شيء وبه أنشأ العالمين. هو شعاع مجده وصورة جوهره، يحفظ كلَّ شيء بقوَّة كلامه. ولمَّا طهَّر العالم من الخطايا، جلس عن يمين ذي الجلال في العلى".
كلُّ شيء نؤمن به هو كلمة من الله، والرب لم يتكلَّم فقط بعهد وعصر السيد المسيح، وإنَّما تكلَّم منذ البداية منذ بداية الخلق. الله لا يتكلَّم إلاَّ لهدف الخلاص، وفي مركز هذا التاريخ (تاريخ الخلاص) شخص يسوع المسيح. فمنذ بداية الخلق كان الله يتكلَّم مع البشرية لأجل خلاصها، وهذا ما حقَّقه يسوع المسيح في شخصه. ولا مرَّة خلق الله البشرية لوحدها، إنَّ كلمة الله هي بالحقيقة مبادرة من الله.
كلمة الوحي كلمة نادرة في العهد القديم، بينما ترد في العهد الجديد ثماني عشرة مرَّة، وخاصة في رسائل الرسول بولس بالإضافة إلى سفر الرؤيا الذي كان في الأساس (الأصل) سفر الوحي الإلهي. وتعبِّر هذه الكلمة (الوحي) عن الحقيقة الإلهية، وعن كشف السرّ الإلهي، وأخيراً كشف سرّ يسوع المسيح الذي هو الكشف التام الإلهي. أما في دراستنا هذه فسوف نحدِّدها عن الوحي في الكتاب المقدَّس؛ والذي يعبِّر (الوحي) عن كشف الله لذاته، وكشفه عن جميع الأسرار الإلهية.
الإلهام والوحي عنصران ضروريان وأساسيان في تكوين الكتاب المقدَّس "الإلهام الإلهي، الوحي الإلهي".
أـ الإلهام:
هو حثُّ الله للمؤمن أو للبار، ودفعه عن طريق الضمير أو أيّ طريق آخر إلى الكتابة، وتبليغ الناس بموضوع الوحي.
الكتاب المقدَّس نعترف به جميعنا بأنَّه كلمة الله؛ ولكن هنالك البعض من الناس يشكُّون في صحَّته، لذلك لا بدَّ من معرفته جيداً وبشكل واضح من أجل الردِّ عليهم. الكتاب المقدَّس هو كلمة الله وهو ناتج عن إلهام الله للإنسان في تكوينه وأساس شريعته.
هناك علاقة وثيقة بين الله والكتاب المقدَّس والخبرة الشخصية للكاتب أو للشعب. المهم هو أنَّ الله هو مصدر الكتاب المقدَّس. إذاً الكتاب المقدس هو مقدَّس لأنَّه إلهي. فأول صفة للكتاب المقدَّس هي القداسة (شرعي-قانوني). الله لا يختار عشوائياً أيَّ إنسان لإيصال كلمته، فهو يختار أشخاصاً يمكنهم فهم كلمته والإصغاء إليه، ومن ثمَّ باستطاعتهم إيصالها للآخرين (رسالة موسى) .
ولكن شرعية الكتاب المقدَّس تأتي من أنَّه ملهم، وعندها يصبح الكتاب المقدَّس هو القاعدة الأساسية والضرورية لإيصال الكلمة الإلهية. موضوع الكتاب المقدَّس "كلمة الله" مرتبط إرتباطاً وثيقاً بالخبرة مع الله، الله يبادر والشعب يجاوب على هذه المبادرة بواسطة الأنبياء، ومن ثمَّ تتمُّ الكتابة "كتابة الكتاب المقدَّس".
كان الكتاب المقدَّس أولاً متناقل شفهياً، ومن ثمَّ أصبح صيغة مكتوبة في العهد القديم وذلك لأنَّ الكتابة تحفظ الشيء المتناقل من الضياع أو الزيادة؛ أما في العهد الجديد فأصبح الكتاب المقدَّس صيغة متجسِّدة مع شخص يسوع المسيح المتجسِّد. الكتاب المقدَّس هو شهادة، أو ذكر لحياة الشعب مع الله (ذكرى).
(2تيمو3/14-17): "فاثبت أنت على ما تعلَّمته وكنتَ منه على يقين، فأنت تعرف عمَّن أخذته، وتعلم الكتب المقدَّسة منذ نعومة أظفارك، فهي قادرة على أن تزوِّدك بالحكمة التي تهدي إلى الخلاص في الإيمان بالمسيح يسوع. فالكتاب كلُّه من وحي الله يُفيد في التعليم والتنفيذ والتقويم والتأديب في البِرّ ، ليكون رجل الله كاملاً مُعَدّاً لكلِّ عملٍ صالح".
(2بطر1/20-21): "واعلموا قبل كلِّ شيء أنَّه ما من نبوءةٍ في الكتاب المقدَّس تقبل تفسيراً يأتي به أحدٌ من عنده، إذ لم تأتِ نبوءةٌ قطُّ بإرادة بشر، ولكنَّ الروح القدس حمل بعض الناس على أن يتكلَّموا من قِبَلِ الله".
كلمة الله هي من روح الله، فالروح يأتي من الله ومن خلال هذا الروح يستطيع الكاتب التعبير، فهو حاجة ضرورية للكاتب والمترجم والملهم. الروح هو الذي يُلهم، إنَّه المعزِّي الصالح، الربُّ المحيي، هو الذي حلَّ على التلاميذ، هو الذي يربط العهد القديم بالعهد الجديد، أو هو الذي يواصل القديم في الجديد.
ب- نشأة الإلهام:
الإلهام ظهر بسبب الشَّك الذي ظهر مع مارتن لوثر، الذي شكَّ في صحة الكتاب المقدَّس، وعدم الثقة في التعبير عنه. فكان من واجب الكنيسة الإجتماع وتحديد المعرفة الطبيعية والمعرفة ما فوق طبيعية، وتحديد المعرفة العقلية ومعرفة الإيمان؛ فالكتاب المقدَّس لا يتوقَّف على المعرفة العقلية كسائر الكتب، وإنَّما يتعدَّاه إلى المعرفة الإيمانية. ومن ثمَّ نتساءل فيما إذا كان الكتاب المقدَّس كسائر غيره من الكتب؟. والجواب بالتأكيد هو كلاَّ، فهو كتاب مقدَّس، كلُّه مقدَّس بكلماته وحروفه، إنَّه مقدَّس لا مجال للشَّكِّ فيه حتى في المتناقضات الموجودة والظواهر الغريبة؛ والكنيسة تؤكِّد أنَّ الكتاب المقدَّس الذي هو عمل إلهي وعمل بشري لا مجال للشَّكِّ به، وهذا ما يفسِّر التناقض في التعبير وليس التناقض في الوحي الإلهي (الوحي الإلهي 9-11-13).
الكتاب المقدَّس ما هو إلاَّ وسيلة لإيصال التجلِّي الإلهي ومضمون الوحي. وهذا معناه، أنَّنا لا نؤمن بالحرف وإنَّما نؤمن بالمضمون، نؤمن بالرسالة التي يريد الله إيصالها لنا من قِبَلِ أشخاصٍ إختارهم هو نفسه.
نحن في العهد الجديد نؤمن بشخص يسوع المسيح وليس بكلمة مكتوبة فقط، فالكتابة بالنسبة لنا ما هي إلاَّ وسيلة لحفظ الكلمة وصونها خوفاً على ضياعها وعلى تشويهها عبر مرور الزمن. نحن أهل شخصٍ ولسنا أهل كتابة، وهذا جوابٌ واضحٌ على الذين يقولون بأنَّنا أهل كتابة.
ج- بشرية الكتاب المقدَّس وموهبة المؤلِّف (الناحية البشرية للكتاب المقدَّس):
كما أنّ الكتاب المقدَّس هو كتاب إلهي كذلك هو كتابٌ بشري، (بشري بمعنى أنَّه وسيلة للتعبير عن الله)؛ الإنسان يشترك في عمل الله الخلاصي أي أنَّ الإنسان يشارك الله في عمله (الخلق، تعليم الكلمة، الخلاص…)، فالله يختار الإنسان لأسمى وأصعب الأعمال (خوف، رهبة…).
الله اختار المؤلِّف لأنَّ فيه صفات القداسة والبِرّ، كما أنَّ المؤلِّف أيضاً لم يكن وسيلة سلبية للكتابة فقط، وإنَّما استخدم الله عقل وقلب وإحساس وفكر وفهم وطاقة وموهبة الكاتب ليكرِّسه ويوجِّهه نحو إيصال كلمته. فالكاتب ليس قلماً يكتب أشياء فقط، وإنَّما يشترك بالعمل الإلهي، فالله لم يستغني لا عن فكره ولا عن تعبيره ولا عن قدرته، ولذلك فالمؤلِّف هو مؤلِّف حقيقي.
وفي الكتابة نلاحظ العفوية والصدق والطبيعية، فالكاتب عبَّر عن الرسالة الإلهية بصدقٍ وعفويةٍ وطبيعية، ولم يخطر بباله ولا مرَّة بأن يُنشئ مقدِّمة وخاتمة وصلب لهذا الموضوع أو لهذه الرسالة. ونحن علينا ومن الواجب أن نخرج من حرفية الكلمة إلى جوهرها، لذلك كان هدف الكاتب واحدٌ فقط ألا وهو إيصال الكلمة الإلهية. إنَّ كلمة الله بسيطة جداً، ولأنَّها بسيطة فهي عميقة جداً، كما أنَّها جوهرية "بساطة الأشياء في جوهرها"، الرسالة الإلهية هي رسالة أبدية أزلية.
د- العلاقة بين الإلهام والمؤلِّف:
لكلِّ كاتب طريقته وأسلوبه وفنّه بالكتابة، الله هو الذي يملي ولكنَّ الكاتب هو الذي يكتب بتعبيره الشخصي، فالكاتب ليس بناسخ، وإنَّما نرى فيه الكثير من العاطفة. لذلك فالكتاب المقدَّس هو كتاب منزل بمعنى الإلهام.
الكتاب المقدَّس هو كلمة نقية وصافية، لأنَّ الله هو ذو صفاء تام ونقاء تام، هو كلمة ذات سلطة لأنَّ الله ذا سلطان، هو كلمة من أجل البشر والتي تصل عن طريق المؤلِّف.
إنَّ قداسة الكتاب المقدَّس تأتي من أنَّه رسالة إلهية، فالقداسة الموجودة في الكتاب المقدَّس هي بما يواصله بجوهره الإلهي، ومن ناحية أخرى نرى أنَّ هناك إعتماد كلِّي من الله على الكاتب، ومن الكاتب على الله لإيصال الرسالة الإلهية؛ فقداسة الكتاب المقدَّس هي الرسالة الإلهية.
إنَّ الإلهام هو مرادفٌ لكلمة الكتاب المقدَّس "كلمة الله" هي كلمة حيَّة وليست بكلمة جامدة، إنَّها كلمة خلاص. فالله شخصياً هو الذي يتحدَّث يدعو وينتظر الجواب، وهذا هو ال أي حديث وحوار الله، وقمَّة كلمة الله هي بيسوع المسيح وهي كلمة فعَّالة تعمل دوماً. إنَّ الإلهام هو مرادفٌ للقداسة، مرادفٌ للحقيقة، مرادفٌ للنَفَسِ الإلهي والروح القدس، أي أنَّ كلّ شيء يخرج عن الله هو إلهام روحي وقداسة وحقيقة؛ يسوع هو صورة الآب ومن خلال شخصه أصبح كلُّ شخصٍ منَّا صورةً ليسوع صورةً للآب؛ وقد تمَّ استرجاع الصورة الأولى صورة ما قبل السقطة بشخص يسوع المسيح (آدم الجديد).
ر- الإلهام والوحي:
الكتاب المقدَّس الملهم هو وسيلة لإيصال الوحي، وكلمة الله تجد كمالها في شخص يسوع المسيح الذي هو كمال الوحي بذاته. الكلمة الملهمة تُعطى لأشخاصٍ وُهبوا نعمة استلام الروح والقدرة على تحويله بأسلوبٍ بشري. الكثير من الناس يستطيعون فهم الله، ولكن للأسف لا يستطيعون إيصاله للآخرين (الوحي الإلهي 2).
في العهد القديم كان الإلهام تحضيراً لمجيء المسيح، وكان كلُّه باتجاهٍ واحد نحو شخص يسوع المسيح؛ أما في العهد الجديد فالإلهام هو جمع كلّ الشهادات من أعمال وأقوال المسيح وكتابتها، وهذا يكتمل بالكنيسة من خلال الأسرار (الوحي الإلهي 7-8)؛ والكنيسة لأجل ذلك كرَّمت الكتب المقدَّسة (المكتوبة والمتجسِّدة)، والأسرار بمعنى أنَّ يسوع الذي هو كمال الوحي لم ينتهِ بل هو موجودٌ دائماً من خلال سرِّ القربان ومن خلال كلمته. فالكنيسة تؤمن وتعلِّم أنَّ الله ذاته يتكلَّم.
س- ما هو الفرق بين الله والإنسان؟.
الإنسان عندما يخطأ يعاقبه الآخرين ويوجِّهون إليه الملامات والتوبيخ والشتائم، أما الله فعندما يخطأ الإنسان تجاهه أو تجاه الآخرين فإنَّه يصبر عليه ولا يحكم مباشرةً على تصرُّفه أو على خطئه، كما أنَّه ينتظر رجوعه إليه حتى آخر لحظة من حياته، فهو لا يريد هلاك أيّ إنسان وإنَّما خلاصه، وهذا ما يؤكِّده إنجيل الابن الشاطر.
ز- الوحي:
هو كشف الله لحقيقة أو لحقائق خاصة أو هامة في شأنه أو حقائق في تدبير الخلاص المُعَدَّ للبشرية. الوحي كلمة مصدرها يوناني وتعني : كشف عن - رفع الغطاء عمَّا هو محجوب - فالله بمبادرة منه يكشف عن الغطاء الغير المفهوم بالنسبة للبشر. وتأخذ أيضاً الكلمة معنى: الإطلاع على الشيء سواءً بفتح الأعين ( الرؤية بالمعنى العميق هي إختبار الله )، أو بفتح الأذنين ( الإصغاء بمعنى استقبال وطاعة الله ).
رأى (تك 12/7): "فتجلَّى الربُّ لأبرام وقال: لِنَسْلِكَ أُعطي هذه الأرض. فبنى هناك مذبحاً للربِّ الذي تجلَّى له".
الربُّ يتراءى (تك 17/1): "ولمَّا كان أبرام ابن تسعٍ وتسعين سنةً تجلَّى له الربُّ وقال له أنا الله القدير اُسلك أمامي وكُن كاملاً".
الربُّ يظهر نفسه (تك 24/1): "وشاخ إبراهيم وطعَنَ في السِّن، وبارك الربُّ إبراهيم في كلِّ شيء".
( مز 10 "11" /7-8 ): " يُمطر على المنافقين فخاخاً وتكون النار والكبريت وريح السُّموم حظَّ كأسهم، لأنَّ الربَّ عادلٌ ويحبُّ العدل ووجهه ينظر إلى الإستقامة ".
في العهد القديم كان للنبي صفات كثيرة، ومن بين هذه الصفات صفة الرائي (الذي يختبر الله)، من يرى الله ليس حسيّاً بل إختبار الله معنوياً (بالعقل والقلب)، ( 2 صمو 24/11 ): "فلمَّا نهض داود في الصباح، كان كلام الرب إلى جادٍ النبي، رائي داود قائلاً"، الرؤية بالمعنى العميق تعني الإلتقاء بالشخص ومعرفته والإتصال به شخصيّاً. فكلمة "رأى" لا تعني النظر بالعين فقط بل النظر عن طريق العقل والقلب؛ أمَّا كلمة "يتراءى" فتعني أنَّ الله يكشف نفسه ليكشف عن مجده، وعن حقيقته، وعن عدله ومحبَّته وعن عظمته ( أشعيا 40/5 ): " ويتجلَّى مجد الربِّ ويعاينه كلُّ ذي جسدٍ لأنَّ فم الربِّ قد تكلَّم ". ونرى التعابير المقصود فيها المعرفة الحسِّية وهي: رأيت، عاينت شاهدت، نظرت ( أشعيا 6/1 ): " في السنة التي مات فيها الملك عُزِيَّا رأيت السيِّد جالساً على عرشٍ عالٍ رفيعٍ وأذياله تملأ الهيكل ".
الرؤيا بمعنى الإصغاء ( هوشع 1/1 ): " كلمة الربِّ التي كانت إلى هوشع بن بئيري في أيام عُزِيَّا ويوتام وآحاز وحزقيَّا ملوك يهوذا، وفي أيام يربعام بن يوآش ملك إسرائيل ".
( ميخا 1/1 ): " كانت كلمة الربِّ إلى يونان بن أمتَّاي قائلاً ". فالإصغاء يعني الإصغاء بانتباه، كما أنَّه يفهمنا بأنَّ كلمة الله هي صوتٌ ورؤيا ( 2صمو 7/4 ): "فكان كلام الرب في تلك الليلة إلى ناتان قائلاً"، فكلمة الله تصبح منظورة ومسموعة ( أشعيا 2/1 ): " الكلام الذي رآه أشعيا بن آموص على يهوذا وأورشليم ". (إرميا 2/31 ): " أيها الجيل اُنظروا كلمة الرَّبِّ، هل كُنْتُ قفراً لإسرائيل أو أرض ديجور فما بال شعبي قالوا قد انصرفنا فلا نعود نأتي إليك ". ( الوحي الإلهي 1-2 ). والله يكشف عن ذاته وعن سرِّ إرادته وعن اسمه الإلهي، فالكشف عن الإسم يعني الكشف عن الشخص، فالإسم هو مرادفٌ للشخص؛ إذاً كلمة الله مكشوفة بالقول والعمل.
هناك أشكال عديدة تظهر فيها كلمة الله، ولكن أهم شكل ظهرت فيه كلمة الرب "الوحي" بمعنى أنَّ الوحي الإلهي موجود في كلمة الرب، سواءً المسموعة منها أو المنظورة، وفي العهد الجديد الوحي الإلهي هو شخص يسوع المسيح والكنيسة من بعده. ( الوحي الإلهي 1-2-4-9-17-21-26 ). كلمة الربِّ إذا دخلت الحياة فإنَّها لا تُنتَسى، كلمة الربِّ "الوحي" فعَّالة وقوية وقديرة، وأحياناً كثيرة نراها بصيغة الجمع "كلمات الرب، الوصايا العشر، كلام العهد".
( خروج 34/28 ): "وأقام هناك عند الربِّ أربعين يوماً وأربعين ليلة لم يأكل خبزاً ولم يشرب ماءً فكتب على اللوحين كلام العهد الكلمات العشر ". ( تث 29/1 ): " هذا كلام العهد الذي أمر الربُّ موسى بأن يقطعه مع بني إسرائيل في أرض موآب، سوى العهد الذي قطعه معهم في حوريب ".
كلمة الربِّ بالنسبة لإسرائيل كانت فوق كلِّ إعتبار، كانت دائماً تسبق أيَّ عملٍ لإسرائيل "الشعب القديم المؤمن"، كلمة الرب هي صنع الله منذ الأزل، والله يكمل عمله من خلال كلمته، وخاصةً بيسوع ومن ثمَّ الكنيسة بالإضافة إلى عمل الروح القدس. كلمة الرب تعني صنائع الرب، معجزات الرب ( أشعيا 55/10-11 ): " لأنَّه كما ينزل المطر والثلج من السَّماء ولا يرجع إلى هناك بل يروي الأرض ويجعلها تُنشئ وتُنبت لتؤتي الزَّارع زرعاً والآكل طعاماً، كذلك تكون كلمتي التي تخرج من فمي لا ترجع إليَّ فارغة بل تتمُّ ما شئتُ وتنجح فيما أرسلتها له ". والله يجعل من كلِّ شيء يفهمه الإنسان مصدراً للنعمة والإمتلاء، ومن أجل ذلك نعيد ونكرِّر بأنَّ الوحي الإلهي يعبَّر عنه بالأقوال والأعمال.
الكتاب المقدَّس عبارة عن تاريخ الشعب مع الله، الله هو الذي بادر وتكلَّم مع البشرية بدءاً من ابراهيم الذي معه يبتدئ تاريخ الخلاص مروراً باسحق ويعقوب… وأصبح هناك تقليد شفهي، فتناقلت الرسالة الإلهية عبر الأجيال من خلال هذا التقليد. كانت الأفكار من أجل التدوين في أيام موسى، وموسى أخذ يعلِّمهم كلّ شيء منذ بداية الخلق وحتى الوصول لأيامه، كما كان يعلِّمهم تاريخ الآباء والشعب بشكل وثائق. كانت الكلمة تتناقل شفهياً وكان الشعب يتمتَّع بذاكرة قوية، فالتقليد الشفهي كان يتناقل بشكل دقيق وصحيح 1000ق.م . ففي بادئ الأمر بدؤوا بتجميع الوثائق إلى أن تكوَّن عندهم ما يسمَّى بالتقليد المكتوب، والذي ظهر بشكلٍ واضح في عهد الملوك (داوود، سليمان، صموئيل). عندما ابتدأ الشعب بالكتابة انتقل ذلك التقليد من تقليدٍ شفهي إلى تقليد كتابي؛ والمعاصرين لدى دراستهم لتلك الوثائق توضَّح لهم أنَّه كان هناك عدَّة تيارات (التيارات هي الطريقة التي عبَّر فيها الشعب عن الرسالة الإلهية):
1- التقليد اليهودي(ي): الكاتب الملهم أو الراوي عندما كان يريد التحدُّث عن الله كان يلقِّبه بيهوه ولذلك دعي هذا التقليد بالتقليد اليهوي، ويرمز له (J). نشأ هذا التقليد في جنوب فلسطين (مملكة يهوذا، يهوذا تعني ها هو الله)، وذلك في القرن العاشر قبل الميلاد تقريباً على أيام الملوك، كان أسلوبه شعبياً وبسيطاً ومصوَّراً، مثال: قصة الخلق في سفر التكوين (الرواية الثانية)، هذه الرواية كتبها أتباع التقليد اليهوي (تك2/4-25): "يوم صنع الربُّ الإله الأرض والسَّماوات، لم يكن في الأرض شيح الحقول، ولم يكن عشب الحقول قد نبت…".
2- التقليد الأيلوهي(أ): يشار إليه بحرف (E)، الكاتب الملهم أو الراوي عندما يورد كلمة إلوهيم فإنَّه يقصد بها الإله، وهذه الكلمة مركبة من (إلوه-يم)، وقد استعمل الشعب هذه الكلمة بالجمع (الآلهة) من أجل التعظيم والتمجيد. نشأ هذا التيار في مملكة الشمال التي عاصمتها السامرة، والذي كان هدفه توحيد الآلهة وذلك بسبب قربهم من الشعوب الوثنية.
3- تثنية الإشتراع(ت): يشار إليه بالرمز (DT)، نشأ هذا التيار في كلِّ الأماكن، ولكن لأنَّه لثاني مرَّة أعادوا صياغة النصوص والشرائع والقوانين سمِّي تثنية الإشتراع. مميزاته أنَّه تقليدي متشدِّد (يشدِّد على اختيار الله لشعبه)، كبداية انطلق من مملكة الشمال وامتدَّ إلى مملكة الجنوب.
4- التقليد الكهنوتي(ك): يشار إليه بالحرف (P)، يشدِّد على الشريعة الإلهية وعلى المراسيم وعلى الطقوس والإحتفالات بالهيكل، أسلوبه مليءٌ بالإحترام والرهبة لله. نشأ هذا التيار بشكلٍ رسمي أيام الجلاء إلى بابل؛ لأنَّه في أيام الجلاء، نسي اليهود عباداتهم وطقوسهم، وذلك بسبب إقامتهم في بلادٍ وثنية، فكان الكهنة يذكِّرونهم بتلك الطقوس والعبادات، وعندما عادوا إلى أرضهم تثبَّت هذا التيار وأخذ شكلاً منظَّماً وخاصةً في يهوذا حول الهيكل.
الكتاب المقدَّس هو كلمة إلهية ومبادرة إلهية، الكلمة الإلهية كلمة شفهية متناقلة بشكلٍ بسيط وبدقَّة بأساليب سهلة حتى أنَّ الأطفال كان باستطاعتهم فهمها. وكان يقصد بالكلمة الإلهية في بادئ الأمر الأسفار الخمسة التشريعية، فالله أعطى الشرائع والقوانين كما أعطى الخلاص من مصر إلى كنعان، (التوراة وهي عبارة عن الشريعة أو التعليم، وقد كانت التوراة أهم أجزاء الكتاب المقدَّس في العهد القديم أما في العهد الجديد فحلَّ مكانها الإنجيل المقدَّس).
من الصعب تحديد فترة كتابة الكتاب المقدَّس المكتوب، ولكن نستطيع القول بأنهم بدؤوا بجمع الوثائق المكتوبة بين بداية المملكة وزمن الجلاء، أي بين فترة 1000-600 ق.م . كما أنَّ هناك عوامل كثيرة ساعدت على تدوين الكتاب المقدَّس:
1- عمل الأنبياء بقيادة الروح الإلهية:
عندنا تقريباً 214-242 مرَّة يتكرَّر فيها تعبير كلمة الله أو كلمة الرب، أي أنَّ الله هو الذي يبادر. ولقد كان الأنبياء الأشخاص الملهمين والمختارين للكتابة ولهم عدَّة مواهب، والكتاب المقدَّس مليء بالأمثلة فموسى تكلَّم مع الرب (يشوع بن سيراخ45/1-3): "وأقام منه رجل رحمة قد نال حظوةً في عيني كلِّ بشر موسى الذي أحبَّه الله والناس وكان ذكره مباركاً. فآتاه مجداً كمجد القديسين وجعله عظيماً يرهبه الأعداء. بكلامه أوقف الآيات ومجَّده أمام الملوك. أعطاه وصايا من أجل شعبه وأراه شيئاً من مجده". في هذه الآيات نلاحظ أنَّ موسى هو أول شخص ألهمه الله للكتابة، أما ما سبقه من الأنبياء فقد ألهمهم كلمته. (عد12/6-8): "فقال: اسمعا كلامي إن يكن فيكم نبيٌّ فبالرؤيا أتعرَّف إليه، أنا الرب وفي حلمٍ أخاطبه. وأما عبدي موسى فليس هكذا بل هو على كلِّ بيتي مؤتمن، فماً إلى فمٍ أخاطبه وعياناً لا بألغاز وصورة الربِّ يعاين فلماذا لم تهابا أن تتكلَّما مع عبدي موسى؟". يتكلَّم هذا النص عن الأبرار الذين يلهمهم الله للكتابة، أي أنَّ هناك دعوة من الله للكتابة (الإلهام) وكلُّ الأشخاص الملهمين يجب أن يكونوا مختارين ومدعوِّين من الله، ومهمتهم نشر كلمة الله، وكلمتهم مسموعة من الشعب، لأنها كلمة الله. (أش6/6-7): "فطار إليَّ أحد السرفين، وبيده جمرةٌ أخذها بملقطٍ من المذبح ومسَّ بها فمي وقال: ها إنَّ هذه قد مسَّت شفتيك، فأزيل إثمك وكفِّرت خطيئتك. وسمعت صوت السيِّد قائلاً: من أرسل؟ ومن ينطلق؟ فقلت: هاءنذا فأرسلني". (إر1/19): "فيحاربونك ولا يقوون عليك لأنِّي معك، يقول الرب لأنقذك". (حز2/8): "وأنت يا ابن الإنسان، فاسمع ما أكلِّمك به، لا تكن متمرِّداً كبيت التمرُّد. إفتح فمك وكل ما أناولك". (حز3/3): "وقال لي: يا ابن الإنسان، أطعم جوفك واملأ أحشاءك من هذا السِّفر الذي أنا مناولك. فأكلته فصار في فمي كالعسل حلاوة".
في نشر كلمة الله يجب التعبير والقول بأنَّ القوة التي تدفعهم لهذا التعبير هي قوة إلهية وليست قوة بشرية (في العهد الجديد القوة هي الروح القدس)، ولهذه الكلمة سلطان علوي، كما أنَّ روح الربِّ هو الذي يقود الأنبياء (تك1/2): "وكانت الأرض خاوية خالية، وعلى وجه الغمر ظلام، وروح الله يرفُّ على وجه المياه". (تك2/7): "وجبل الربُّ الإله الإنسان تراباً من الأرض ونفخ في أنفه نسمة حياة، فصار الإنسان نفساً حيَّة". داوود النبي يقول في (2صمو23/2): "روح الربِّ تكلَّم بي وكلمته على لساني"، (وبهذا يكون قد جمع بين الله والإنسان والروح القدس). هوشع يصف نفسه برجل الروح (هو9/7): "قد أتت أيام العقاب أتت أيام الثواب، ليعلم إسرائيل أنَّ النبيَّ غبيٌّ ورجل الروح مجنون بحسب جسامة ذنبك تشتدُّ العداوة". (حز2/2): "فأتمَّ الرب كلامه الذي تكلَّم به علينا وعلى قضاتنا الذين حكموا إسرائيل، وعلى ملوكنا ورؤسائنا وعلى بني إسرائيل ويهوذا. ولم يحدث تحت السَّماء بأسرها مثل ما أحدثه في أورشليم، على حسب ما كتب في شريعة موسى". (حز3/12،14): "لقد تركت ينبوع الحكمة، تعلَّم أين الفطنة وأين القوة وأين الذكاء لكي تعلم أيضاً أين طول الأيام والحياة وأين نور العيون والسَّلام". كما أنَّهم يخبرونا عن الأبرار والمختارين من الله، ويدعوهم الله خدَّام الكلمة (سيراخ39/6): "فإن شاء الربُّ العظيم يمتلئ من روح الفهم فيمطر هو بأقوال حكمته وفي الصلاة يحمد الرَّب". (سيراخ39/1-2،5،7-8). الله يتكلَّم ويتحدَّث بشكل واضح بيسوع المسيح الكلمة، لذلك فكلمة الله المتجسِّد (يسوع المسيح) هو أعظم نبي، النبي هو خادم كلمة الله وخادم شعب الله كما أنَّه المتشفِّع لدى الله بالنسبة لشعب الله، والموصل كلمته لشعبه. (في العماد نحن نأخذ الصفات التالية التي كانت ليسوع: الملوكية، النبوية، الكهنوتية، يسوع الذي هو صورة الله يوصل ذاته بذاته وليس من خلال الأنبياء والكهنة). النبي يعني الرائي في العهد القديم كما قلنا سابقاً، إنَّه الذي رأى الله وعبَّر عنه، كما أنَّ هنالك عدَّة أوجهٍ أو عدَّة فئاتٍ للأنبياء مثلاً: أنبياء البلاط الملكي (ناتان). وتصبح كلمة الله (يسوع) نبي بحدِّ ذاتها، فيسوع هو كمال النبوءة. وكلمة الله تصبح إنساناً، فبدلاً من أن يرسل الله أنبياءً أرسل كلمته المحيية والتي تجسَّدت وأخذت طبيعتنا.
2- صون ونقل كلمة الله:
كان هناك أشخاص مؤتمنين على المحافظة على كلمة الله ونقلها، فكلمة الله لم تكن تقبل بشكل عشوائي، ولكنَّ الأجيال المؤمنة هي التي تناقلتها بشكل منظَّم، وكان هناك أشخاص مسؤولين عن نقلها وأهمهم: الشيوخ، الكهنة اللاويين، المغنِّيين، الحكماء، الكتبة المذكِّرين بالوصايا الإلهية.
1-الشيوخ: بمعنى القضاة (القضاء في الشعب، حكماء الشعب)، كانت كلمة حكماء تطلق على المغنِّيين والكتبة لأنَّهم كانوا جميعاً يوصلون كلمة الله، وكانت مهمتهم القضاء في الشعب وتطبيق الشرائع والفرائض الإلهية، ويعتبرون مشاركين مع موسى بروح الرب(خر18/19-26)، (عد11/16-17): "فقال الرب لموسى: اجمع لي سبعين رجلاً من شيوخ إسرائيل الذين تعلم أنَّهم شيوخُ الشعب وكتبتهم، وخذهم إلى خيمة الموعد فيقفوا هناك معك. فأنزل أنا وأتكلَّم معك هناك وآخذ من الروح الذي عليك وأحلُّه عليهم، فيحملون معك عبء الشعب ولا تحمله أنت وحدك".
2-الكهنة اللاويين: مهمتهم تعليم الشريعة والقيام بالوظائف الطقسيَّة، كانوا يعتبرون موهوبين من الله لتمثيله، بالإضافة إلى كونهم مختارين منه تعالى من أجل التكرُّس له (عد3/11-13): "وكلَّم الرب موسى قائلاً: إنِّي قد أخذت اللاويين من بني إسرائيل بدل كلِّ بكرٍ فاتح رحمٍ من بني إسرائيل، فيكون اللاويون لي . لأنَّ كلَّ بكرٍ هو لي، لأنَّه يوم ضربت كلَّ بكرٍ في أرض مصر، قدَّست لي كلَّ بكرٍ في إسرائيل من البشر والبهائم، إنَّهم لي: أنا الرب". (عد3/41): "وخذ اللاويين لي -أنا الرب- بدل كلِّ بكرٍ من بني إسرائيل، وبهائم اللاويين بدل كلِّ بكرٍ من بهائم بني إسرائيل". (عد8/16): "لأنَّهم موهوبين لي، موهوبون من بين بني إسرائيل، فقد أخذتهم لي بدل كلِّ فاتح رحم، كلِّ بكرٍ من بني إسرائيل".
3-الكتبة (الرابي أو المعلِّم): (سيراخ14/20-27) ؛ (سيراخ15/1-6) ؛ كانوا معلِّمين للشريعة، ويعتبرون منقادين من الروح الإلهية.
4-المغنِّين: هم مؤلِّفوا المزامير، مهمتهم تأليف المزامير وترميمها بإلهام من الله، وكانوا يدعون أيضاً بأنبياء وحكماء، إلاَّ أنَّهم ليسوا أنبياء عبادة فكلمة الله كانت تصل مرتَّلة. لذلك فالترتيل هو علاقة الشعب مع الله بشكلٍ مرنَّم، "فالذي يرتِّل يصلِّي مرَّتين" (أوغسطينس)، لأنَّه من خلال الكلمة المرتلة يآخذ المصلِّي الوقت الأكثر في اللقاء مع الله.
3- الأشخاص المذكِّرين بالوصايا الإلهية:
كل الأشخاص المختارين من الله، هم ليذكِّروا بأحكامه وليحافظوا على كلمته. ويتناقلونها ويضعونها في إطار ملائم حتى يستطيعوا تعليمها بإطارٍ قصصي، روائي، تعليمي، شعري، أناشيد، مزامير، ويشرحونها ويضعونها في تصميم محدَّد (يشوع24)، (عدد27/15-23)، (سيراخ46/1…).
4- المبادرة الإلهية:
إنَّ الكتاب المقدَّس منذ بدايته كان يشكِّل إرشادات تحتوي على كلمة الله المرتبطة بحدثٍ معيَّن، وشعبٍ معيَّن، ومكانٍ معيَّن، وزمانٍ معيَّن. ولأجل ذلك نرى بعض الإختلافات في طريقة التعليم البشري، ولكن كلمة الله هي واحدة، وقد كان من واجب النبي أو المرسل أن يوصل هذه الكلمة ويفسِّرها بإلهامٍ من الله.
والكتاب المقدَّس يذكِّرنا ببعض الأساليب التي كانت تتثبت فيها كلمة الله، فالله بشكلٍ واضح يأمر النبي أن يكتب.
(خر17/14): "فقال الرب لموسى: أكتب هذا ذكراً في كتاب وضع في أذني يشوع، أني سأمحو ذكر عماليق محواً من تحت السَّماء".
(خر34/27-28): "وقال الرب لموسى: أكتب لك هذا الكلام، لأني بحسبه قطعت عهداً معك ومع إسرائيل…، فكتب على اللوحين كلام العهد، الكلمات العشر".
(تث17/18): "ومتى جلس على عرش ملكه فلينسخ له نسخةً من هذه الشريعة في سفرٍ من عند الكهنة اللاويين".
(إرميا36/1-2): "كان هذا الكلام من إرميا من لدن الرب قائلاً: خذ لك سفراً واكتب فيه الكلام الذي كلَّمتك به على إسرائيل وعلى يهوذا وعلى جميع الأمم من يوم كلَّمتك من أيام يوشيا إلى هذا اليوم".
(أشعيا30/8): "فهلمَّ الآن واكتب ذلك على لوحٍ أمامهم، وارسمه في سفرٍ ليكون لليوم الأخير دائماً وللأبد".
والكتاب المقدَّس يقول لنا أنَّه لا توجد صيغ كثيرة للتعبير عن الكتابة، عندما يتكلَّم الرب "يقول الرب"، "كلمة الرب". وقد كان سفر الشريعة يقرأ أمام الشعب، بجوٍّ من الوقار والرهبة وبصوتٍ عالٍ ومعلنٍ في الساحات، وبالإحتفالات الليتورجية والدينية (خر34)، (تث7)، (نحميا8).
كما أنَّ الكتاب المقدَّس كان السلطة العليا المطلقة، وأصبح له تقريباً هيكلية منظَّمة في القرن الأول قبل المسيح، حيث تحدَّدت الأسفار التي يؤمن بها الشعب اليهودي: (الأسفار التشريعية…الخلق… الدخول إلى أرض كنعان…التعليم النبوي…المزامير…الكتاب).
مختصر 4،17: يسوع هو قمة الظهور الإلهي وهو الذي أتمم كل ما جاء قبله، كما أنَّه يذكِّرنا بالكتب المقدَّسة. ولكن بدءاً من يسوع ينتهي أي انتظار للوحي الإلهي، ويكون انتظارنا هو لفهم الوحي الذي ظهر بيسوع.
1- العهد القديم في العهد الجديد:
كل مضمون العهد القديم موجود في العهد الجديد، والكنيسة توضِّح لنا الأمور والأسباب الرئيسية لفهم العهد القديم، كما تذكِّرنا بقول يسوع المسيح: "جئت لأكمِّل لا لأنقض"، فيسوع رجع إلى العهد القديم وأكمله وأكَّد على أهميته. إذاً يسوع أكمل العهد القديم ولكنه عمل معه كسراً "السبت للإنسان لا الإنسان للسبت"، كما أنَّه حافظ على شريعة تقديم النهار للرب، وبعد ذلك صحَّح التعليم الخاطئ لهذا المفهوم، وبعد ذلك أكَّد العهد القديم، وأخيراً قام بإكمال العهد القديم؛ ولذلك، نلاحظ الكنيسة في مسيرة دائمة. والإنجيليون والرسل الذين كتبوا أكَّدوا لنا هذه النقطة "كما يقول الكتاب"، "لتتمَّ الآية"، وفي العهد الجديد لدينا 150 مرَّة واستشهاد مباشر من العهد القديم؛ وهناك أيضاً استشهادات غير مباشرة، وإشارات تخبرنا عن حوادث جرت في العهد القديم.
(مز109 أو 110)، (مر12/36)، (متى1/22)، (متى2/15)، (مر1/2)، (لو3/4)، (متى3/3)، (أعمال1/16)، (رو1/1…)، (عبر10/15). هذه الآيات والإستشهادات ترينا أنَّ كلمة الله معبَّرٌ عنها بلسانٍ بشري بعمل الروح القدس.
(1تيم3/16): "ولا خلاف أنَّ سرَّ التقوى عظيم: قد أُظهر بشراً وبُرَّ في الروح وتراءى للملائكة وبُشِّر به عند الوثنيين وأُومن به في العالم ورُفِعَ في المجد"، ترينا هذه الآية أنَّ كل الكتاب المقدَّس هو بفعل الروح القدس.
(2تيم3/14-15): "وأحضر كذلك الكتب وخصوصاً صحف الرِّق. لأنَّ الإسكندر النحَّاس قد أساء إليَّ كثيراً، وسيَجْزيه الربُّ على ما قدَّمت يده، فاحترس أنت أيضاً منه". ترينا هذه الآية أنَّ الكتاب المقدَّس كتب بحكمة من الله، ويُفسَّر بحكمة من الله.
(2بطرس1/20-21): "واعلموا قبل كلِّ شيء أنَّه ما من نبوءة في الكتاب تقبل تفسيراً يأتي به أحدٌ من عنده، إذ لم تأتِ نبوءةٌ قطُّ بإرادة بشر، ولكنَّ الروح القدس حمل بعض الناس على أن يتكلَّموا من قِبَلِ الله". ترينا هاتين الآيتين وجود مفسِّر وكاتب وملهم من الروح القدس.
فهذه الإستشهادات بأجمعها ترينا أهمية العهد القديم، وأنَّ كل شيء تمَّ كان بفعل الروح القدس.
2- القيمة الثابتة للعهد القديم:
(2تيم3/16): "فكلُّ ما كتب هو من وحي الله، يفيد في التعليم والتنفيذ والتقويم والتأديب في البر".
(لو7/17-21): "وانتشر هذا الكلام في شأنه في اليهودية كلِّها، وفي جميع النواحي المجاورة…".
(يو5/39): "تتصفَّحون الكتب، وتظنُّون أنَّ لكم فيها الحياة الأبدية فهي التي تشهد لي".
(لو24/25-27)، (لو24/44-47).
كل الكتاب المقدَّس هو بإلهام مقدَّس ومن وحي الله، وكان هم الكاتب أن يوصل كلمة الله ورسالته إلى الشعب دون أية نوايا أخرى، ولذلك نلاحظ أنَّ أسلوب الكاتب كان بسيطاً وشعبياً.
3- كتابة العهد الجديد:
في بداية الأمر كانت البشارة تتناقل شفهياً، وبعد ذلك استعملت الكتابة. فالرسل انطلقوا من القيامة وبشَّروا بها، وبعد ذلك عادوا إلى الوراء، إلى حياة يسوع المسيح وتعاليمه. ويُقال أنَّ أولى الوثائق التي كتبت، كانت تتحدَّث عن حدث القيامة والآلام؛ ومن ثمَّ كُتبت الوثائق التي تتحدَّث عن حياة يسوع وأعماله وتعاليمه؛ فالبشرى الأساسية والرئيسية هي بشرى القيامة. وأول من كتب كان القديس بولس الرسول لأنَّه أراد تبشير الأمم، فبولس هو أول من نقل التقليد الشفهي إلى التقليد الكتابي.
1- المقدِّمة:
1- الكتابة القديمة:
إنَّ دراسة الكتاب المقدَّس كنص، لا تختلف عن دراسة أيَّ كتاب قديم؛ ففي جميع الكتب القديمة نلاحظ وجود مشاكل عديدة لدراستها. فالكتاب المقدَّس ليس مختلفاً كثيراً عن الكتب المختلفة عنه. الكتاب المقدَّس بدأ يُكتب كنصوص بعهد موسى ومن بعده الأنبياء، ولم يصل إلينا نصٌّ متكامل إلاَّ في عهد عزرا ونحميا. والهدف من دراسة هذا الجزء هو إيجاد حلول للكثير من الغموض، من التناقض، وكلمات غير مفهومة أو غير واضحة. ونحن نؤكِّد أنَّ النص حُفظ بأمانة أقلَّه بالجوهر، فجوهر الكتاب المقدَّس لم يتغير ولم يتحرَّف.
2- طريقة استعمال البردي:
ابتدأت الكتابة على أوراق البردي، وأول ما كتب هو (جمل، بركات، وصايا...)، وكانت الكتابة بالحبر والريشة بشكل غرز. ومن ثمَّ صاروا يكتبون على جلود الحيوانات أو على النسيج لأنها كانت تتحمَّل أكثر، وكانوا يحافظون عليها بواسطة ملفات (الكتابة على الورقة من وجه واحد)، وبعد ذلك أصبحوا يستخدمون الورقة ذاتها ولكن على الوجهين، ويضعون الأوراق فوق بعضها ومن ثمَّ يلفُّونها بخيط.
3- مشكلة النسخ:
إنَّ النصوص كانت موجودة على ورق غير مجمَّع، وبما أنَّ النصوص هي كلمة الله ويجب المحافظة عليها؛ هذا أدَّى إلى جعل الكتَّاب ينسخون نصوص الكتاب المقدَّس. ومن هذه النسخ ظهرت لدينا عدة مشاكل بالرغم من الدقة التي كان يقوم بها الناسخون عن قصد أم عن غير قصد.
- أما من ناحية المفردات فقد كانوا ينقلون الكلمة خطأ، أو لا يفهمون هذه االكلمة، وهذا ما جعلهم يستخدمون كلمات قريبة من المعنى.
- مشكلة الرموز: كان الكاتب يكتب بالمختصرات، فلكل كلمة رموزها الخاصة، وذلك بسبب قلَّة الورق وقلَّة الحبر وقلَّة الوقت. . فالذي كان ينسخ كان لا يفهم دائماً الرموز المكتوبة، ومن أجل ذلك كان يبحث عن كلمة بحسب الوحي ليعبِّر عنها بالنص.
- التغيير الإرادي (عن قصد): بمعنى أنَّ الكاتب وهو يقرأ كان يرى أنَّ هذه الكلمة غير مناسبة لعصره فكان يغيِّر حرفية الكلمة وإنما الجوهر يبقى ثابتاً؛ وبرجوعنا إلى النص الأصلي نرى أنَّ التناقض غير موجود.
4- الهدف من الدراسة النقدية:
الهدف من هذه الدراسة النقدية هو إعادة بناء ممَّا تشوَّه من النصوص إما بسبب العوامل الجغرافية أو التاريخية أو الطبيعية، أو أنها اهترأت على مدى الزمن؛ ولكي يتمُّوا هذا العمل كانوا يجمعون كل النسخ الممكن جمعها ليستطيعوا تركيب النص، وهكذا أصبح لدينا التقليد الكتابي والذي مهَّد لوجود التقاليد الأربعة.
2- النص العبراني والآرامي للعهد القديم بالإضافة إلى النص اليوناني:
1- إنَّ لغات نص العهد القديم هي العبرانية:
وبهذه اللغة كُتب كل العهد القديم ما عدا أجزاء كُتبت باللغة الآرامية؛ فالآرامية هي لغة أرض كنعان والتي تبنَّاها اليهود بعد خروجهم من مصر. فحتى ولو كان هناك تقاليد شفهية آرامية فالكتابة كانت بالعبرية. ونتأكد من ذلك بما وجدناه من مخطوطات في رأس شمرا وتل العبرانية (تمَّ اكتشاف هذه المخطوطات بيين سنة 1800-1928-1945).
- اللغة الآرامية: هي لغة قريبة من اللغة العبرية، وحديثاً صار اسمها اللغة السريانية، كما أصبحت لغة اليهود بعد الرجوع من السبي؛ ولكن اللغة العبرية هي التي ظلَّت اللغة الرسمية، لغة القراءة والكتابة والدراسة. ونحن عندما نفتح الكتاب المقدَّس لا نرى فيه أجزاء مختلفة اللغات بل كل الأجزاء هي بالعبرية، فكانوا يتكلَّمون الآرامية ويكتبون بالعبرية.
- اللغة اليونانية: عندنا سبع أسفار كتبت باللغة اليونانية (الهلِّينية، لغة المستعمرات)، وهي: سفر الحكمة، سفري المكابيين، سفر يهوديت، سفر طوبيا، سفر باروك، سفرسيراخ، أجزاء من دانيال، أجزاء من أستير.
2- حقبات تكوين الكتاب المقدَّس:
الحقبة الأولى: من بداية الكتابة في القرن 13 قبل الميلاد - القرن الأول قبل المسيح. كان عندنا النسخ والإختلافات والإضافات والحذف، وكانت تنسب الإختلافات إما إلى حرية الكاتب أو إلى الخطأ.
الحقبة الثانية: من بداية القرن الأول قبل المسيح - القرن الخامس بعد المسيح. بهذه الحقبة صار عندنا تركيب نص التوراة وسفر أشعيا وملف الأنبياء الإثني عشر، وبعد ذلك بدأ عندنا نسخ الأحرف الصوتية من الحروف اليونانية والآرامية وتركيبها على الأحرف (العبرانية)، وبعد ذلك تمَّ تحريك الأحرف، فأتوا بالحركات من اللغة الآرامية المأخوذة من اليونانية.
الحقبة الثالثة: من القرن الخامس بعد المسيح تقريباً - إلى القرن التاسع بعد المسيح. تثبَّت النص العبراني الآرامي في هذه الحقبة بشكله الأخير، وابتدأ عندنا شيء اسمه النص الماسوري؛ وقبل ذلك كان النص العبراني غير المحرَّك هو السائد والمستعمل. ويعود الفضل بالتحريك إلى الماسوريين أي (التقليديين)، ففي سنة 700م تقريباً ظهر عندنا أشخاص دعوا بالماسوريين من فعل (ماسار) أي (نقل)، وبمعنى آخر هم الذين ينقلون التقاليد الشفهية والكتابية؛ فبعد تجميع الوثائق والأسفار قالوا بوجود أخطاء في القراءة والفهم. ففي سنة 700م تقريباً بدأوا بوضع النقاط على الحروف حتى يكون اللفظ ثابت. فمن سنة 700م تقريباً - 900م تقريباً تمَّ تثبيت الأحرف الصوتية ونشأ عندنا النص الماسوري (العبراني المشكَّل).
ملاحظة: النص الماسوري لم يتضمَّن السبع الكتب القانونية.
النص السبعيني: LXX (الترجمة السبعينية): في القرن الثالث ق.م كان ملك الإسكندرية ينظِّم مكتبة كبيرة في مملكته، فأرسل بطلب شيوخ أرض كنعان للمجيء إليه، وذلك لكي يترجموا له الأسفار التشريعية (تكوين، خروج، عدد، أحبار، تثنية). فقام المسؤولون اليهود وأرسلوا 72 شيخاً إلى الإسكندرية، وهنالك بدأوا بترجمة كل الكتاب المقدَّس لأنهم رأوا أنَّ معظم اليهود الشتات لم يفهموا الكتاب المقدَّس كما هو. فترجموا الكتاب المقدَّس من العبرانية والآرامية إلى اليونانية، وانتهوا من ترجمتهم خلال 72 يوماً، وكانت الترجمة قريبة ومطابقة وبوحي من الله واعتبرت ترجمةً مقدَّسةً، وقد استعمل تلك الترجمة كل يهود الشتات. وبعد ذلك أُكمل العمل على الترجمة السبعينية 300ق.م - 100ق.م، ونشأ عندنا سبعة كتب كُتبت بالإسكندرية بالللغة اليونانية وهي الكتب القانونية.
فالإلهام والوحي لم ينتهِ في فلسطين، بل الله أكمل وحيه وإلهامه في الإسكندرية أيضاً، وكان آخر كتاب كُتب هو سفر يشوع بن سيراخ 120ق.م تقريباً.
3- الكودكس والطبعات:
CODEX (مخطوطات قديمة يمكن أن تشمل الملف والكودكس). إنَّ الكنيسة درست 2000 مخطوط أو كودكس من عشرات الألوف، ومعظم الكودكسات التي درستها تعود إلى القرن الربع عشر ب.م. وأهم تلك المخطوطات "الكودكسات":
- مخطوط الأنبياء: وجد هذا المخطوط في مصر، في مدرسة موسى بن أشير، وكتب سنة 895.
- مخطوط حلب: يوجد فيه كل العهد القديم، وكتب في منتصف القرن العاشر 950 تقريباً، واستخدمه اليهود ليصلحوا كتابهم المقدَّس المستعمل حالياً في الجامعة العبرية بالقدس.
- مخطوط الأنبياء الثاني: :ُكتب سنة 916م تقريباً، الحروف في هذا المخطوط مشكَّلة ولكن على الطريقة البابلية (التحريك من فوق).
- مخطوطات الجيزة في مصر:
- اكتشافات قمران: وفيها كل العهد القديم ما عدا سفر أستير الذي كُتب ما بين القرن الثالث ق.م والقرن الأول ق.م. أما أهم الطبعات للنص الماسوري فهي "الكتيل" Kittel، وهو موجود في شتوتفارت بألمانيا.
أمَّا أهم الكودكسات فهي:
1- الكودكس الفاتيكاني: رمزه (B)، موجود في المكتبة الفاتيكانية، ويعود إلى القرن الرابع الميلادي.
2- الكودكس السينائي: رمزه (S)، موجود في دير القديسة كاترين في سيناء، وموجود أيضاً في المتحف البريطاني، كتب في بداية القرن الرابع الميلادي.
3- الكودكس الإسكندري : رمزه (A)، وهو من القرن الخامس، يحتوي معظم أسفار العهد القديم، وموجود في المتحف البريطاني في لندن.
4- كودكس مار أفرام: رمزه (C)، من القرن الخامس، يحتوي على بعض الأجزاء الحكمية من العهد القديم، وانتقل من الشرق إلى إيطاليا في القرن السادس عشر، ومن ثمَّ نُقل إلى المكتبة الوطنية في باريس.
3- ترجمات الكتاب المقدَّس:
1- الترجمة السبعينية:
تعتبر هذا الترجمة مقدَّسة ملهمة وموحى بها من قِبَلِ الله، أهمية هذه الترجمة: أنها نقلت كتب الشريعة بأمانة ودقة تامتين، أما بالنسبة للكتب التاريخية فأحياناً نرى فيها المعنى الجوهري أكثر من الترجمة الحرفية، فترجمة أسفار المزامير والجامعة ونشيد الأناشيد والأنبياء، يسمُّونها أو تدعى ترجمة خدمة الشعب ولكن فيها بعض الغموض. ونلاحظ في كلٍّ من سفر أيوب والأمثال الكثير من الحرية المقصودة بالترجمة. وهذه الترجمة مهمة بالنسبة لنا لأنها:
- ظلَّت لزمنٍ طويل النص الوحيد المستعمل لليهود والهلِّينيين (اليهود الموجودين في المستعمرات اليونانية).
- تعتبر أكبر ترجمة في ذلك العصر.
- والأهمية الكبرى لهذه الترجمة هي أنَّ كل كتَّاب العهد استعملوا هذه الترجمة في استشهاداتهم، وكل الكنيسة الأولى كانت تستعمل النص السبعيني، وبعد ذلك كل آباء الكنيسة الذين كتبوا استخدموا باستشهاداتهم النص السبعيني؛ وفي الإحتفالات الليتورجية كان كتاب القراءات مأخوذ من النص عينه.
2- ترجمات من النص السبعيني:
1- اللاتينية القديمة: في بداية المسيحية وبعدَّة مراحل.
2- القبطية الجنوبية (الصعيدية).
3- القبطية الشمالية (البوحارية).
4- الأرمنية حوالي سنة 440 تقريباً.
5- السريانية (ترجمات عدَّة)، سريانية قديمة كانت مستعملة في آشور وبابل، وسريانية كانت مستعملة في فلسطين، من القرن السادس فالسابع حتى الثامن.
3- ترجمات أخرى للعهد القديم (من النص الأصلي، عبري، يوناني):
1- الترجوم.
2- السريانية.
3- الترجمات العربية.
4- الترجمات اللاتينية.
1- الترجوم:
هو الكتاب المقدَّس المترجم من العبراني للآرامي، ولا دخل له بالنص السبعيني. ترجم في القرن السادس قبل الميلاد، ويسمَّى الترجوم وليس الكتاب المقدَّس. يوجد لدينا ثلاث مجموعات بالترجوم:
- التوراة (الشريعة).
- الكتب التاريخية والأنبياء.
- الكتب التعليمية والشعرية.
2- الترجمة السريانية:
عندما تكوَّن الكتاب العبراني للعهد القديم تُرجم بسرعةٍ للسريانية، وذلك بسبب احتلال البابليين للمنطقة. وفي القرن الثاني للميلاد ظهرت لدينا وبشكل شبه كامل الترجمة السريانية المسماة (البشيتا)، وهي اللغة المستعملة في عصرنا هذا؛ والترجمة السريانية مأخوذة من النص العبراني ولكنها تأثرت كثيراً بالنص السبعيني، وكانوا يعتبرونه نصاً أصلياً لا نصاً مترجماً، لأنَّ فيه سبعة أسفار أصلية كتبت باليونانية مباشرةً.
3- الترجمات العربية:
في القرون الوسطى من 400م - 1500م تقريباً؛ ترجمت مباشرةً من اللغة العبرية أو اليونانية أو السريانية، وأهميتها تأتي من أنها أحدث نسبياً من الترجمات القديمة ففيها دقة أكثر في اختيار الكلمات والمصطلحات؛ فقد كان من الصعب قديماً تحديد الكلمات والمصطلحات بدقة.
4- الترجمات اللاتينية:
- الترجمة "اللاتينية القديمة" (Veturlatina): ترجمت بشكل مباشر من السبعينية، وانتهت هذه الترجمة في القرن الثاني الميلادي؛ أما أهم الترجمات فكانت في منطقتي شمال إفريقيا وإيطاليا.
- الترجمة "الشائعة" (Vulgata): انتهت رسمياً في القرن السادس عشر، كما أنَّ المجمع التريدنتيني المنعقد سنة 1564 قال بعدم وجود ترجمات لاتينية كثيرة، وبوجود ترجمة لاتينية واحدة هي "الشائعة"، والتي تستطيع فهمها جميع الشعوب. وكلمة شائعة تعني نشر الكلمة إلى كل العالم، كما أنَّ كل الترجمات الأجنبية الحديثة تستعمل وتستخدم ال Vulgata كنصٍّ أصلي.
4- نص العهد الجديد:
تؤكد الدراسات أنَّ إنجيل متى الأصلي كُتِبَ باللغة الآرامية، وبما أنه فُقِدَ تماماً فنعتبر نحن أنَّ النسخة اليونانية هي الأصلية، ونعتبر أيضاً أنَّ العهد الجديد بأكمله كتب باليونانية، وكل كتَّاب العهد الجديد مختفين تماماً؛ أي أننا لا نعرف بالتحديد من كتب هذا النص أو ذاك. فلا متى الذي كتب ولا لوقا ولا مرقص ولا يوحنا وإنما تلاميذهم هم الذين كتبوا، ويمكن أن نعتبر أيضاً أنَّ النسَّاخ كناسخٍ أصلي.
1- عدة شواهد مباشرة وغير مباشرة لنصوص العهد الجديد:
الشواهد المباشرة:
- الكودكسات البرغامية : (على جلود الحيوانات )، وهي شبه كاملة .
- الكودكسات على البردي : عددها يقارب81 ، وهي شبه كاملة .
- مجلَّد القراءات : (المستعمل بالليتورجيا ) .
- نثرات أو كسرات فخارية : (توجد عليها بصوص العهد الجديد ) .
الشواهد غير المباشرة:
- النصوص الموازية للنص المقدس :إستشهاد الكتَّاب القدماء بكلمة الله .
2- المخطوطات الرئيسية للعهد الجديد:
أ- مخطوطات البردي: ومعظمها من القرن الثاني والقرن الثالث بعد المسيح.
ب- المخطوطات البرغامية: ومعظمها من القرن الثالث والرابع بعد المسيح.
أ- مخطوطات البردي:
عدد مخطوطات البردي يبلغ الثمانين مخطوط تقريباً، سبعة منها قديمة جداً، وقد كُتبت في مصر. أما أهم المخطوطات فهي:
- مخطوط بردي ريلاند، رمزه (ب52)، اكتشف في أواسط مصر سنة 1920، وهو أقدم مخطوط إنجيلي وصل إلينا، كما أنَّ معظم الآيات التي فيه هي من إنجيل يوحنا. وهو محفوظٌ بمدينة مانشستر في بريطانيا.
- مخطوط بردي بودمر: رمزه (ب66)، اكتشف في مصر على شكل كودكس، ويعود تاريخه إلى سنة 150م تقريباً، كما أنه يحتوي على (14) فصل من إنجيل يوحنا، وبعض الأجزاء المتبقية من يوحنا محفوظة في جنيف.
- مخطوط بردي بودمر: رمزه (ب75)، اكتشف في مصر ، ويعود تاريخه إلى القرن الثالث تقريباً، وفيه حوالي (51) ورقة، يتضمَّن جزء من إنجيل لوقا وأول (14) فصل من إنجيل يوحنا، وهو محفوظٌ في جنيف.
- مخطوط بردي شستربيتي: رمزه (ب45) ، و (ب46)، اكتشف بالقرب من القاهرة، ويعود تاريخه إلى القرن الثالث تقريباً، كما أنه يحتوي على جزء كبير من الأناجيل وأعمال الرسل (ب45)، أما (ب46) فيحتوي على قسم كبير من رسائل الرسول بولس؛ وهذان المخطوطان موجودان في دبلن بإرلندا.
- مخطوط بردي ميشيفان: رمزه (ب37)، اكتشف سنة 1570م، ويعود تاريخه إلى القرن الثالث الميلادي تقريباً، يتضمَّن جزء من إنجيل متى؛ وهو محفوظٌ بميشيفان في أمريكا.
ب- المخطوطات البرغامية:
تشمل كل الأناجيل، ولها أهمية كبيرة جداً، يبلغ عددها اليوم ما يقارب 230 مخطوط تقريباً، أما أهمها فخمسة وهي كالتالي:
- الكودكس الفاتيكاني: رمزه (ب3)، ويعود تاريخه إلى بداية القرن الرابع الميلادي تقريباً، وفيه معظم أسفار العهد الجديد وخاصةً الأناجيل، وجزء كبير من رسلئل الرسول بولس؛ وهو محفوظٌ في مكتبة الفاتيكان.
- الكودكس السينائي: رمزه (S) (س1)، اكتشف بدير القديسة كاترين بسيناء، ويعود تاريخه إلى القرن الرابع عشر الميلادي تقريباً، يشمل معظم أسفار العهد الجديد، وهو محفوظٌ في متخف لندن.
- كودكس مار أفرام: رمزه (C)، يتضمَّن بالإضافة إلى العهد القديم كل العهد الجديد، نقل في القرن السادس عشر الميلادي من الشرق إلى إيطاليا، ومن ثمَّ نقل إلى باريس.
- الكودكس الإسكندري: رمزه (A)، ويعود تاريخه إلى القرن الخامس الميلادي تقريباً، فيه معظم أسفار العهد القديم، وكل العهد الجديد؛ وهو محفوظٌ في لندن.
- كودكس بيزا Beza: رمزه (D)، اكتشف في القرن السادس الميلادي تقريباً، وفيه كل الأناجيل وأعمال الرسل؛ وهو محفوظٌ في كمبروج.
كلمة قانون يونانية الأصل وتعني القاعدة أو القياس. أما كلمة قانون بالنسبة إلى الكتاب المقدَّس فهي مجموعة الكتب المعترف بها كقاعدة إيمان، فالكتاب يكون قانونياً إذا اعتُرف به كقاعدة إيمانية. قانون الكتاب المقدَّس يعني مجموعة النصوص والأسفار التي تكوِّن الكتاب المقدَّس (قائمة الأسفار الملهمة). كلمة قانون كانت تعني أيضاً القصبة أو الساق أو الجذع، وبعد ذلك تطوَّرت الكلمة وأصبحت تعني التحديد، القاعدة، النظام.
إنَّ كلمة قانون الكتاب المقدَّس استعملت سنة 350م للتمييز بين الكتب الملهمة والغير الملهمة.
- الأسفار القانونية: هي الأسفار المعترف بها من قبل الجماعات المسيحية الأولى على أنها ملهمة وموحى بها من الله. وبعد ذلك ظهر لدينا بما يسمَّى (قانوني ثاني)، لبعض أسفار العهد القديم "طوبيا، أستير، المكابيين، الحكمة، سيراخ، باروك، أجزاء من دانيال، أجزاء من أستير". (أسفار قانونية ثانية) دعيت هذه الأسفار بهذا الاسم لأنها:
- في فترة من الفترات تعرَّضت إلى الشك من قبل بعض الجماعات المسيحية ولم تكن في كل مكان قانونية؛ أما الكنيسة اليوم فهي تكتب لنا قانوني أول وقانوني ثاني ليس لأنَّ الواحد أهم من الآخر.
- لأنها ألحقت بالكتاب المقدَّس مؤخراً.
أما الأسفار القانونية الثانية فهي كالتالي:
- أربعة كتب تاريخية وهي: طوبيا، يهوديت، مكابيين1و2.
- كتاب نبوي وحيد: باروك.
- كتابان للحكمة: سيراخ، الحكمة.
- أجزاء من أستير: 10/4-16/24.
- أجزاء من دانيال: 3/24-90/13-14.
ويعتبر اليهود أنَّ الكتب القانونية الثانية مرفوضة، وذلك لعدة أسباب:
- اللغة: فكل الكتب المكتوبة بغير اللغة العبرية تعتبر غير ملهمة من الله. فمثلاً الكتب التي كتبت في مصر كتبت باليونانية وليس بالعبرية.
- المكان: يعتبر اليهود أنَّ الله لم يلهم الكاتب للكتابة إلاَّ في فلسطين ولا يوجد غير ها أرض مقدسة.
- عدم وجود أنبياء: اليهود لا يقولون بوجود أنبياء بعد نحميا وعزرا أي بعد عودتهم من السبي. أما أسيني قمران فقد اعترفوا بكل الأسفار الأولى والثانية، واليهود في الشتات، فاجتمع المعلمين وقالوا بعدم وجود اختلاف بين يهود فلسطين ويهود الشتات.
1- القانون العبري (اليهودي):
يتكوَّن هذا القانون من ثلاثة أجزاء:
- الأسفار التشريعية (التي حددت مع عزرا)
- الأسفار النبوية
- الكتابات
1- الأسفار التشريعية:
تسمى الموسوية أو شريعة موسى، شريعة الرب. وهذه الأسفار هي: التكوين، الخروج، العدد، الأخبار، تثنية الإشتراع. بالنسبة إلينا هذه الكتب تاريخية لأننا نتَّبع الترجمة السبعينية.
2- الأسفار النبوية:
وهذه الأسفار هي: 12 نبي صغير (من هوشع إلى ملاخي)، حزقيال، إرميا، أشعيا، ملوك، صموئيل، القضاة، يشوع.
كل هذه النصوص بدأت تكوِّن قانوناً حسب يشوع بن سيراخ 180ق.م تقريباً. أما بالنسبة إلى اليهود فجميع الكتب هي أسفار نبوية.
3- المؤلفات أو الكتابات:
وهذه الأسفار هي كالتالي: المزامير، الأمثال، أيوب، نشيد الأناشيد، راعوت (كان مع القضاة ومن ثمَّ فصل فيما بعد)، مراثي إرميا، الجامعة، أستير، دانيال، عزرا، نحميا، أخبار.
2- قانون العهد القديم بالنسبة للكنيسة:
الكنيسة تبنَّت القانون السبعيني، فما هو هذا القانون؟.
- الأسفار التشريعية، وهي مساوية للأسفار اليهودية.
- الأسفار التاريخية، انظر جدول الكتاب المقدَّس.
- الأسفار الحكمية، انظر جدول الكتاب المقدَّس. كلُّها تتأمَّل في حكمة الله.
- الأسفار النبوية، انظر جدول الكتاب المقدَّس.
+ العصور التي اعترفت بها الكنيسة في هذا القانون:
- العصر الرسولي: من الملاحظ في العهد الجديد، أنَّ يسوع استشهد بأقوال الأنبياء في العهد القديم من الترجمة السبعينية، وكذلك فعل الرسل والتلاميذ، ولذلك تبنَّت الكنيسة النص السبعيني دون أن تترك النص العبري.
- التقاليد الكنسية: كان آباء الكنيسة يستشهدون بآيات من النص السبعيني وليس من النص العبري.
وقد أُقرَّ وتحدَّد قانون الكتاب المقدَّس بعهده القديم في المجمع التريدنتيني (1546).
3- قانون العهد الجديد:
1- القانون:
أ- المؤلفات المسيحية الأولى (الجديدة):
بدأ الرسل بالكرازة من حدث القيامة ومن بعده بحدث الآلام والموت، وظلُّوا لفترة طويلة يبشرون بقيامة المسيح بكل شجاعة، كما أنهم لو لم يكونوا متأكدين من قيامته لما دفعهم ذلك إلى الموت من أجله. فالتبشير الأول كان شفهياً (القيامة)، ومن ثمَّ موت المسيح الذي قتله اليهود وعذَّبوه، أي أنَّ الرسل بعدما تكلَّموا عن الآلام قالوا إنَّ يسوع هو الذي أحبَّ وعلَّم وشفى وصنع المعجزات، أي أنهم قاموا بقراءة عكسية لحياة يسوع. ونحن لا يوجد شيء يشجِّعنا إلاَّ الحقيقة التي نكون مقتنعين بها، فالقيامة هي النواة الأولى للبشارة بيسوع المسيح القائم من الموت، كما أنَّ الوثائق الأولى المكتوبة تتحدَّث عن القيامة.
وأول مجموعة مكتوبة كانت صفحات من رسائل القديس بولس، ويخبرنا بذلك القديس بطرس في رسالته الثانية (2بطر3/15)، وهذا دليل واضح على أنَّ الوثائق المكتوبة رسمياً كانت لمسار بولس (الفن الرسائلي)، والمجموعة الثانية هي أربعة مؤلفات متوازية وهي الأناجيل (الفن الإنجيلي)، أما المجموعة الثالثة فهي أعمال الرسل وقد أُضيفت إلى الأناجيل.
س- كيف ميَّزت الكنيسة صحة الكتب؟.
استندت الكنيسة أولاً على ذكر الأحداث التي عملها يسوع وتعاليمه ومعجزاته وصحة الأخبار التي تتناولها الألسن حول يسوع المسيح وموته وقيامته. وثانياً تجد أنَّ جميع الكنائس المحلية التي تكوَّنت اعترفت جميعها بصحة الأخبار المتناقلة على حقيقة الأحداث الخلاصية.
+ ضرورة وأهمية المؤلفات:
وافقت الكنيسة على المؤلفات لأنها:
- تحتوي على إعلان بشرى الخلاص بيسوع المسيح.
- تحتوي على الدفاع عن العقيدة.
- استعملت في الليتورجيا.
- استعملت في تأسيس الكنيسة البشرية.
ب- تمييز الآباء:
من بعد سنة 150 أصبح لدينا حاجة ماسة لتحديد ما هي الكتب المسيحية، وشيئاً فشيئاً صارت كل الجماعات المسيحية تبني هذه الكتب، والمشكلة بدأت مع ظهور الهرطقات حوالي سنة 160، والتي ترفض العهد القديم لأنه يعاكس العهد الجديد. وحتى على أيام الرسل كان هناك من ينادي برفض العهد القديم؛ فنلاحظ أنَّ القديس بطرس يتكلَّم عنها في (2بطر3/17)، كما أنَّ آباء الكنيسة اضطروا ولو شفهياً أن يحدِّدوا بأنَّ العهد القديم مساوٍ للعهد الجديد. والكنيسة حدَّدت رسمياً ما هو العهد القديم وما هو العهد الجديد، كما أنها اعترفت بقانون السبعينية، أما بالنسبة إلى العهد الجديد فقد بقيت حوله مشاكل عديدة حتى القرن الخامس.
+ الكتب التي تعرَّضت للشك في العهد الجديد:
إنَّ عدد هذه الكتب سبعة وهي: العبرانيين، يعقوب، بطرس الثانية، رسالة يوحنا الأولى، رسالة يوحنا الثانية، يهوذا، الرؤيا. كما أنَّ الكنيسة اعترفت بها لعدة أسباب: أولها لأصالتها الرسولية، وثانيها لتأكُد الكنيسة من أمانتها وسلطتها ونفوذها الرسولي، وثالثها الأمانة في المحتوى والعقيدة المطابقة للرسل. بالإضافة إلى أنَّ آباء الكنيسة والذين هم خلفاء الرسل المباشرين، تعتبر الكنيسة تعاليمهم أنها بإلهام ووحي من الله.
والسؤال: لماذا تثبت موضوع الآباء؟ لأنهم:
- خلفاء الرسل
- كتبوا وعلَّموا بإلهام ووحي من عند الله
- وارثين التقاليد الرسولية
2- العصر الرسولي (2بطر3/17):
أول من كتب من الرسل هو القديس بولس، وأول إثبات لقانونية الرسائل عند بولس نجدها عند القديس بطرس، والذي يعتبر، أنَّ رسائل الرسول بولس مساوية للوحي والإلهام في العهد القديم، وفي هذا العصر بدأ يتكوَّن القانون ولو بشكلٍ شفهيّ.
ونلاحظ أيضاً أنَّ لوقا وبولس يستشهدان ببعضهما مثلاً (لو10/7)، و (اتيمو5/18)، كما أنَّ القديس بطرس في رسالته الثانية يعلِّمنا التعاليم الصحيحة ويحذِّرنا من التعاليم الكاذبة؛ وهنا نقول أنَّ الرسائل لم تكن موجودة في كل الكنائس بشكلها الكامل، بل كانت كل كنيسة تحتفظ بعدد من الرسائل. أمَّا في هذا العصر فقد بدأت تتجمَّع كافة المؤلفات في سائر الكنائس. مثلاً:
- رسالة يعقوب1/1: يوجِّه الرسول يعقوب الرسالة للجميع
- 2كور: يوجِّه الرسول بولس رسالته إلى كل مسيحيي أخائية، وكل جنوب اليونان
- ابطر1/1: يوجِّه الرسول هذه الرسالة إلى كل مقاطعة آسيا الصغرى بكل كنائسها
- كولسي4/16: يحث بولس على قراءة رسائله في كنائس مختلفة، كولوسي ولاوذوقية...
وأخيراً لا يُعرف متى تمَّ التجميع الكامل لكل مؤلفات العهد الجديد.
س- من يفسِّر؟ وكيف يفسِّر؟ وماذا يفسِّر؟.
تفسير الكتاب المقدس هو علم مقدس له قواعده المعينة، مستندة بالأساس على يسوع المسيح المفسِّر الأول للكتاب المقدٍّس، ونلاحظ ذلك في (لوقا عندما يتحدَّث عن القائم من الموت)، فيسوع يعلِّمنا كيفية فهم الكتاب، أي تفسير الكتاب بالكتاب؛ أما الإستناد الثاني فهو التقاليد الكنسية وتعاليم آباء الكنيسة؛ وأخيراً كل الدارسين المختصين، ومن ثمَّ المؤمنين حسب الدارسين وتعليم الكنيسة ويسوع.
كلمة Hermenutigue(تفسير): لفظة يونانية تعني فن التفسير، وتعني أيضاً الترجمة من لغة غريبة إلى لغة سهلة الألفاظ، وتعني أيضاً التعبير في أسلوب.
والمرادف لكلمة تفسير Exeger (شرح) تعني الشرح، الإشارة إلى مراجع من الكتاب المقدَّس، وتعني تحليل النص الكتابي، وتعني أيضاً ماذا يريد أن يقول لنا النص.
Hermenutigue (التفسير): إعطاء معنى النص ورسالته.
Exeger (الشرح): تحليل النص بحدِّ ذاته.
ونلاحظ أنَّ الكتاب المقدَّس مثله مثل سائر الكتب القديمة يجب أن ندرسها لنفهمها من ناحية اللغة والأسلوب والتفكير والزمن الذي كتب فيه، والهدف هو الوصول إلى الرسالة الإلهية التي يجب على المسيحي الإيمان بها.
1- معنى الكتاب المقدَّس:
المعنى هو إعطاء إثبات وتأكيد للمقصود، أي ما هو المقصود من النص وماذا يريد أن يقول لنا. إنه يعني التعبير واللغة والتي يمكن من خلالهما توصيل المضمون وبالتالي لنصل إلى جوهر الكتاب المقدَّس. كما أنه يمكن التعبير عنه بأساليب مختلفة، مثلاً: عن طريق الإعلان الشفهي الذي يهدف إلى إيصال الرسالة والذي يعبِّر عن قصد معيَّن؛ ويجب أن نأخذ بعين الإعتبار أنَّ الكتاب المقدَّس هو كلمة إلهية في كلمة بشرية، والهدف منه هو معرفة تدخُّل الله في حياة الإنسان لأجل خلاصه (و.ل). فالكتاب المقدَّس ملهم إلهياً ولكنه بأسلوب بشري.
أ- المعنى الحرفي الخاص:
المفردات تؤخذ بمعناها حسب المعنى الأولي لها، وأحياناً يستعملها الكاتب بشكل مصطنع (هذا الرجل كالأسد).
ب- المعنى الحرفي المجازي:
بعد أن نأخذ النص ونفهم كل كلمة حرفياً أي ماذا تعني (عادة تُدرس باللغة الأصلية)، حينئذٍ ننتقل من المعنى الحرفي الخاص إلى المعنى المجازي.
في المعنى المجازي لا تؤخذ الكلمات حسب معناها الأولي فقط، لب حسب معنى يأتي من المعنى الأولي، ملائم للمعنى الأولي، فيه تشابه وتوافق مع المعنى الحرفي، وله عدة أنواع:
- الإستعارة: "أنتم نور العالم" (متى5)، من خلالنا العالم يجب أن يرى يسوع، فبقدر ما نتَّحد بيسوع نصبح نوراً للعالم، أما الهدف من الكلمة فهو الإتحاد بيسوع.
- التورية: "يسوع الراعي الصالح" (يو10-11)، يسوع هو الذي يرعى شعبه ويهتم بهم ويؤمِّن لهم كل ما يحتاجون إليه ويحميهم من كل شيء. "الكرمة والأغصان".
- التهكم: "فقد شبعتم وقد اغتنيتم، بغيرنا صرتم ملوكاً، ويا ليتكم ملوك فنشاطركم الحكم" (1كور4/8).
- الإسم المزوَّر: يضع سفر الجامعة كل الأقوال على لسان سليمان النبي، والكاتب يعطي الإسم المزوَّر ليعطينا قيمة وسلطة لهذا الإسم.
- المبالغة: (يو21/25).
- الكناية: "بعرق جبينك تأكل خبزك" (تك3/15).
ج- وحدة المعنى الحرفي:
نبتدئ بالمعنى الحرفي الخاص ونفهم منه المعنى المجازي، لنصل للمعنى الجوهري، ونوحِّد المعنيين.
د- المعنى المسيحي الشامل:
ليس لكل كتاب معنى مسيحي، ولا معنى شامل؛ والكتاب المقدَّس ذو عمقٍ مستند عليه، ولكي نصل إلى هذا المعنى لا بدَّ من القيام بعملين:
- تقسيم الكتاب المقدَّس إلى عهد قديم وعهد جديد.
- الإجتهاد النهيوي.
أما الهدف الرئيسي من هذين العملين فهو الوصول إلى الحياة الأخيرة مع يسوع.
2- الرمز في الكتاب المقدَّس:
إنَّ الرمز في الكتاب المقدَّس واضح جداً، كما أنه يمكن التعبير عن حقيقة من خلال حقيقة أخرى تمثلها. ومن الممكن أيضاً أن يكون الرمز طبيعياً، أو مخترعاً من الكاتب (الرمز في سفر الرؤيا عندما يتكلَّم عن التنين…)، وهذا الرمز غير طبيعي. أما عندما يتكلَّم عن تصدُّع الصخور، فهذا رمزٌ طبيعي.
- "لنكسر قيودهما ولنلقِ عنَّا نيرهما" (مز2/3)، النير هنا يعني التسلط.
- "سأعطيك مفاتيح السماوات" (متى16/19)، المفتاح هنا يعني القدرة.
- "من أراد أن يتبعني…" المسيحي مطالب بتحمُّل الآلام والأوجاع وعليه أن يصبر أيضاً.
- (1ملو11/29)، يرمز إلى تقسيم المملكة إلى 12 سبط.
- (إرميا19/1-11).
هذا يعني أنَّ الكاتب الملهم لا يعبِّر عن الرمز بالكلام وإنما بأحداث حياته، أي أنَّ حياته ذاتها تصبح حدثاً رمزياً للرسالة الإلهية.
- (حز37/1-14) (حزقيال وقصة العظام اليابسة)، هذه العظام تعني أنَّ الشعب اليهودي سيقوم من جديد بعد موته…
- بيلاطس يغسل يديه معبِّراً عن براءته…
- حلم بطرس (أعمال الرسل)…
+ رموز بأسماء الأنبياء:
- (أش7/3، 8/3): فالله يقول لأشعيا بأن يسمِّي ابنه شقر يشوب أي البقية ستعود. وابنه الثاني ماهير شالال حاش باز أي سلب سريع نهب قريب، بمعنى أنه سيأتي إلى بابل وآشور ويقضي على أرض كنعان.
- أبراهام: أب لشعوب ثانية.
- يزراعيل: ابنة لهوشع، وتعني عقاب الله لبيت ياهو.
- غير مرحومة: ابنة هوشع، أي الله لن يغفر لإسرائيل.
+ رموز بالأرقام:
(3)…الألوهة
(5)…الشمولية
(6)…عدم الكمال
(7)…الكمال
(12)…عدد أسباط إسرائيل
3- تقسيم الكتاب المقدَّس:
قسَّمت الكنيسة الكتاب المقدَّس إلى عهدين، لأنه يعبِّر عن تواصل الحقائق؛ فالله يواصل كلامه مع الإنسان منذ بداية الخلق إلى حين رجوع المسيح الثاني، والكنيسة تكمِّل هنا عمل المسيح.
أ- الإجتهاد بتخطي المعنى القديم الحرفي:
يجب أن ندرسه بالمعنى والإيمان المسيحيين، فنتخطَّى المعنى الحرفي للعهد القديم لنصل بالتالي إلى العهد الجديد.
ب- العهد القديم:
يمثِّل تاريخ الخلاص الذي يمهِّد لمجيء يسوع والكمال فيه، كلمة الله أصبح جسداً، هو ذاته الكلمة التي تكلَّمت في العهد القديم (عبرانيين).
ج- قراءة العهد القديم:
تعني إيجاد المعنى المسيحي فيه، يسوع تكلَّم في العهد القديم ولكن بشخص الآب وروح الآب، بمعنى الروح الإلهي.
د- الهدف من العهد والشريعة:
هو تكوين شعب بقيادة الله، ولهذا الشعب علاقة مع المسيح يسوع، فالعلاقة مع يسوع لم تنشأ فجأة بل مهِّد لها دائماً.
ه- قيمة العهد القديم:
هو صورة مسبقة للعهد الجديد ولكل الحقائق الخلاصية، كما أنه الطريق للعهد الجديد.
4- المراحل التي مرَّ بها كلام الله لشعبه:
- منذ البدء وحتى زمن ابراهيم: الزمن البدائي للإيمان.
- من ابراهيم حتى يسوع: زمن العهد القديم هو زمن وقتي.
- من يسوع إلى آخر الدهر: لم ينتهِ ولا ندري متى سينتهي، فهو إذاً ليس وقتياً.
فالإجتهاد النهيوي لا يبتدئ بآخر الدنيا، بل يبتدئ من لحظة وجود يسوع حتى نهاية الدهر.
5- المعنى الروحاني:
يُقصد به التذكير أنَّ كل ما حدث، كل ما قيل، كل ما سرد في الكتاب المقدَّس هو عمل الروح القدس (الوحي) وإلهامه، هو الذي يكمِّل عمله (الروح القدس) في تغذية الحياة الروحية للمؤمن. لا يجب أن يمحي المعنى الروحاني المعنى الحرفي، وإنَّما يجب الإنتقال دائماً من المعنى الحرفي للوصول إلى المعنى الروحاني.
6- المرجع الثابت للكتاب المقدَّس:
أ- مقياس أدبي:
النص هو عمل أدبي، عبِّر عنه بواسطة الكاتب من خلال قصة أو قانون أو كلام نبوي…أو وصية من أجل خلاص الشعب.
ب- المقياس الكوني:
الذي كتب لم يكن خارجاً عن الكون، لذلك هناك حقائق تاريخية تأكَّد منها شرَّاح الكتاب المقدَّس. فهنالك حقائق نفسية فمثلاً: في أيام الجلاء الذي كتب وهو يرعى غنمه غير الذي كتب وهو هارب أو…؛ وتوجد حقائق دينية، أي ما هي الأديان الموجودة؛ بالإضافة إلى وجود ظواهر طبيعية مثلاً: عند غياب الشمس الجميع كان يخاف…
ج- مقياس حياتي وجودي:
يتعلَّق بحياة الإنسان، ويهدف إلى حمل البشرية إلى الخلاص، إلى تعليمها شريعة الله، إلى تغيير البشرية وتوبتها.
7- معنى النص وإدراك المؤلِّف (الملهم):
هل المؤلِّف يدرك ما يكتب؟ مثلاً: ما ورد في أشعيا "ها إنَّ العذراء تحبل وتلد ابناً…" فهل كان أشعيا يقصد بهذا القول العذراء مريم أم البشرية جمعاء؟.
ورد في المجمع الفاتيكاني الثاني (ول 12): "ولمَّا كان الله يتكلَّم في الكتاب المقدَّس بواسطة البشر وعلى طريقتهم، وجب على شارح هذا الكتاب أن يتنبَّه إلى ما كان في نية الكتَّاب، وإلى ما راق الله إيصاله لهم".
نية الكتَّاب: أي ما استلموه بالإلهام.
ما راق: المضمون…الوحي.
لدى التفسير لا بدَّ من معرفة أنَّ الحقائق واحدة لكنَّ الطرق تختلف. الكاتب يتابع الأحداث، أي أنه يربط أحداث العهد القديم بأحداث العهد الجديد. أمَّا يسوع فإنه يأتي ويقوم بكسرٍ وتفوُّق على العهد القديم.
1- المعنى الواسع:
الكاتب يكتب عن معنى معيَّن وفي ظرف معيَّن ولكنه يشمل سائر العصور، وبهذا فإنه يتخطَّى الظرف والمكان الذي يُكتب فيه النص. فأشعيا عندما كتب "ها إنَّ العذراء تحبل…" هذا المعنى واسع ويشمل كل الكون، كل البشرية، كل الظروف؛ فالنص لا ينحدُّ في مكان معيَّن، والكاتب لا يدرك إلاَّ الظرف الذي يعيش فيه، ونحن بواسطة الإلهام نستطيع أن نفهم ما يعنيه الكاتب في أيامنا هذه…
2- المعنى النموذجي:
هو المعنى الذي يجعل من أحداث في العهد القديم صورة مسبقة شبيهة أو محضِّرة للعهد الجديد، ولكنه حقيقة فعلية. هنالك ثلاثة أسس لقهم هذا المعنى:
أ- وجود حقيقة مسبقة في الكتاب المقدَّس، وتسمَّى النموذج، ولها معنى نموذجي فعلي (بالفعل يوجد شيء اسمه آدم).
ب- وجود حقيقة أخرى مستقبلية وُجدت قبلاً في النموذج (آدم ويسوع مثلاً). (1كور10/6) و (رو5/14) و (1بط3/21).
ج- الرغبة الإلهية أو النية الإلهية أو الإرادة الإلهية، والتي رتَّبت الحقيقة الموصوفة المتحدَّث عنها في الحقيقة المستقبلية، بمعنى أنه توجد حقيقة محتَّمة من هذا الحدث.
بعض المراجع: ول4، 15، 17: كل تلك النصوص تؤكِّد سواء أكان يوجد نموذج أم لا يوجد فيسوع هو مركز كل شيء وكمال كل المعاني. ول16:
يتكلَّم عن التعليم الكنسي، عن المعنى النموذجي…
أمثلة عن المعنى النموذجي:
(متى2/15) عودة الشعب من مصر مثل عودة يسوع من مصر
(متى12/39-40) يونان في بطن الحوت مثل يسوع في بطن الأرض
(1كور10/1) اليهود والعقاب في الصحراء مثل نعمة المسيحيين ومعاقبة الأشرار
(غلا4/24) قصة هاجر وسارة لفهم العهد القديم والعهد الجديد
(رو5/4) آدم ويسوع
(2بط3/20) مياه الطوفان مثل المعمودية
(يو6/49) المن مثل الإفخارستيا
(يو3/14) الحية مثل الصليب وارتفاع يسوع
3- المعنى التام أو الممتلئ (الحاوي كل شيء):
إنَّ المعنى النموذجي استعملته الكنيسة وآباء الكنيسة، وذلك ليفهمونا من هو يسوع، فالمعنى النموذجي ليس عقيدة كنسية.
المعنى التام هو الذي يشمل تمام وكمال وملء المعاني والتفسير، أي بعد دراسة المعاني السابقة نصل إلى معنى شامل وليس إلى معنى ضيِّق. هذا الملء يكون بوحي من الله، أي مثلما يوجد عندنا كاتب ملهم ومترجم ملهم كذلك وجب وجود مفسِّر ملهم من قِبَلِ الله، وأن يشرح تحت عنايته ووحيه، وان يفهم المعنى الحقيقي ويتكلَّم بروح الله.
المفسِّر هو الواسطة التي من خلالها الله يشرح، ولذلك فيسوع المسيح هو الشارح الوحيد. التفسير، أي تفسير الكتاب المقدَّس يتم بالكتاب المقدَّس.
8- العوامل الأساسية المساعدة (في تفسير الكتاب المقدَّس):
هي العوامل التي تساعد على فهم تفكير المؤلِّف ونيته في التعبير.
يوجد عدَّة عوامل أساسية ولكننا سنرى عشرة عوامل منها فقط:
1- العامل النحوي:
فهم الأسماء، الأفعال، الظروف، الحروف، الزمن، وذلك باللغة الأصلية وليس باللغة المترجمة.
2- علم تركيب الكلام:
كيفية استعمال القواعد وتركيبها، وربط الفقرات ببعضها البعض.
3- العامل اللغوي:
الألفاظ التي نستعملها (خرج أو راح)، (قَدِمَ أو أتى)، وهذا العامل يتضمَّن المفردات بجذورها واستعمالاتها المختلفة.
أ- معرفة أصل الألفاظ وتركيبها.
ب- معرفة إطار النص المنطقي.
ج- معرفة إطار النص الأدبي.
4- معرفة النصوص الموازية:
مثلاً ألوهية يسوع المسيح وإنسانيته. فمتَّى ينتقل من الطبيعة الإلهية للوصول أخيراً إلى الطبيعة البشرية، أما لوقا فإنه ينتقل من الطبيعة البشرية للوصول إلى الطبيعة الإلهية، وأما يوحنا الإنجيلي فإنه أيضاً يتكلَّم عن هاتين الطبيعتين حيث يقول في مقدمة إنجيله: "في البدء كان الكلمة وكان الكلمة عند الله، وكان الكلمة الله (…) والكلمة أصبح بشراً وحلَّ بيننا".
5- معرفة التعابير المحلية:
الكتاب المقدَّس أتى من شعب كان يتكلَّم. فالإنتقال من التقليد الشفهي إلى التقليد الكتابي ساعد على إدخال الكثير من التعابير المحلية والمثال على ذلك (مز118) "إنَّ روحي في يدي" وهذا يعني التعبير عن خطر الموت.
6- عوامل إنشائية كتابية:
لكل نص أسلوب معيَّن، ويختلف عن سواه في التعبير، بمعنى أنَّ الكاتب تسلَّم الوحي وكتبه بأسلوبه الشخصي.
7- عامل الفنون الأدبية:
- فن تأريخ أصل الإنسان (علم الأصول):
وهو واردٌ في سفر التكوين، ويتكلَّم عن اصل الجنس البشري وكيفية خلقه.
- فن التأريخ:
تدوين الأحداث التي يرى فيها شعب إسرائيل تدخُّل الله في حياته، بمعنى أنَّ الكتب التأريخية من سفر يشوع إلى المكابيين، كتبت الأحداث التي فيها تدخُّل إلهي فقط؛ أمَّا هدف هذا الفن فهو العِبَرْ والبرهان أكثر من هدفه سرد وقائع.
- فن الروايات:
هدفه التذكير بالماضي لإعطاء عقلية مشتركة للجميع، فمثلاً ابراهيم أبو الآباء هو أب للشرق والغرب. أمَّا أسفار راعوت، طوبيا، أستير، فجميعها فنون روائية.
- الفن الملحمي:
إنَّ لهذا الفن هدفين: مدني وديني. الهدف المدني غايته إثارة الحمية (الحماس)، والإشادة بالأبطال؛ أمَّا الهدف الديني فإنه يروي أهم أحداث الخلاص، وذلك ليثبت محبة الله لشعبه.
- فن سن القوانين:
هذا الفن موجود في كل الكتب التشريعية، وغايته سن القوانين والشرائع التي تنظِّم حياة الشعب؛ مثلاً خروج موسى مع الشعب من أرض مصر (هذا الشعب كان يفقد الحس بالحرية، ومع موسى استطاع أن ينظِّم ذاته بقيادة موسى، أي أنَّ موسى اضطرَّ أن يشرِّع قوانين تساعد هذا الشعب في حياته).
- الفن الليتورجي:
أو ما يسمَّى "الإحتفالات بالرتب"؛ هذا الفن موجود خاصة في سفر الأحبار، حتى أنَّ الرسول بولس يتطرَّق إلى هذا الفن وخاصة في رسالته إلى العبرانيين، وأيضاً يوحنا يذكر هذا الفن في سفر الرؤيا. الهدف من هذا الفن، هو العيش المشترك؛ أمَّا الهدف الآخر الليتورجي فهو إظهار الصلة بين الله والشعب.
- الفن الغنائي:
يشمل هذا الفن كل القصائد الواردة في الأسفار النبوية والأناشيد والمزامير حتى الأسفار التاريخية والتي تعبِّر عن مشاعر وأحاسيس الشعب تجاه الله.
- الفن الحكمي:
هذا الفن موجود في كافة أجزاء الكتاب المقدَّس، ولكنه موجود بشكل واضح في الأسفار الحكمية (حكمة، سيراخ، جامعة، أيوب). أهميته تأتي من التفكير بالمسائل الإنسانية الكبرى: الحياة، الموت، الألم، الحب، الخير… أمَّا هدفه: فهو أخذ العبرة، والفهم، والتفكير الرصين مع الإيمان.
- الفن التعليمي (المدراج):
من الممكن أن يكون هذا الفن قصة أو رواية، أو تعليماً للأنبياء والكهنة بشكل إرشاد، مثلاً: إنَّ سفر طوبيا رواية، ولكنه ممتلئ من التعليم الإلهي. ومن الممكن أيضاً أن يكون هذا الفن عن طريق الوعظ وحثِّ الشعب على الفضيلة والأخلاق والإيمان كما مع الرسول بولس.
- فن أقوال الأنبياء:
هذه الأقوال رسمية تُلفظ من قِبَلِ الله ذاته، "هذا قول الرب لي" هذا القول رسمي. هدف هذا الفن، لفت الإنتباه إلى الإيمان الصحيح؛ ومن الممكن أن يكون هذا الفن بشكل تنبيه أو تحذير أو وعد…
- الفن الرئيوي:
إنه أسلوب فيه الكثير من الخيال (الأسلوب خيالي وليست الرسالة الإلهية خيالية)، ويهدف إلى الكلام عن نتائج أمة معينة (إيجابية كانت أم سلبية). أمَّا أهم عناصره فهي: الحديث عن الإنسانية، الظواهر الطبيعية، أمور فظيعة على مستوى عالمي (حروب، مجاعات…) وأحياناً يتكلَّم عن الماضي ليخبِّر عن المستقبل. هذا الأسلوب موجود بشكل خاص في سفر الرؤيا وكذلك في بعض الأجزاء من سفر دانيال.
- الفن الرسائلي أو الخطابي:
الرسول بولس هو قائد هذا الفن، وهذا ظاهرٌ من خلال رسائله المتعددة.
8- العوامل التاريخية والأثرية:
إنَّ التاريخ موضوعه الدائم الأحداث السياسية والعسكرية مع ترتيبها التاريخي (الجلاء، السبي، الخروج…). أمَّا الآثار فإنها توضِّح لنا العادات الإجتماعية والدينية وسواها من العادات.
9- العوامل الجغرافية:
من المهم جداً معرفة الطرق التي اتُّبعت، مجاري المياه، طقس البلاد، التربة…
10- العوامل النفسية:
هذه العوامل تساعد على فهم إرادة المؤلِّف ونيته بالكتابة؛ إنها جزء من طريقة تعبير المؤلِّف عن الرسالة الإلهية. كما أنَّ هذه العوامل لا تقتصر على مكان معيَّن، وإنَّما تتأثَّر بكل المحيط.