شهيد
Martyr
1. المسيح، الشهيد:يعتبر المسيح شهيد الله على أسمى مستوى، وبالتالي هو نموذج الشهيد. إذ هو في ذبيحته الطوعية، يؤدّي شهادة أمانته العظمى نحو الرسالة التي أولاه إياها الآب. فبحسب القديس يوحنا، لم يعلم يسوع مسبقاً بموته فحسب، بل قبله برضاه، تعبيراً عن ولائه الكامل لأبيه (يوحنا 10: 18) وهو يعلن ساعة محاكمته: "ولدت وأتيت للعالم لأشهد للحقّ" (18: 37 راجع رؤيا 1: 5، 30: 14).
ويبرز القديس لوقا في آلام يسوع السمات التي سوف تعرَف الشهيد: تشديد العزيمة بالنعمة الإلهية ساعة الضيق (لوقا 22: 43)، الصمت والصبر أمام الاتهامات والإهانات (23: 9)، البراءة التي يقرّ بها بيلاطس وهيرودس (23: 4 و14- 15 و22)، التغاضي عن آلامه الخاصة (23: 28)، ترحيبه باللص النادم (23: 43)، مسامحته لبطرس (22: 61)، ولجلاّديه أنفسهم (22: 51، 23: 34).
وبطريقة أكثر يرى العهد الجديد بمجمله في يسوع. " العبد المتألم" الذي تنبأ عنه إشعيا. وعلى هذا الضوء، تبدو آلام يسوع جزءاً أساسياً من رسالته. فكما ينبغي فعلاً أن يتألم العبد ويموت "ليبرّر كثيرين" (إشعيا 53: 11) ينبغي ليسوع أن يعبر الموت "ليفدي بنفسه جماعة كثيرة" (متى 20: 28). هذا هو معنى كلمة "ينبغي" التي يرددها يسوع مراراً: إن قصد الله الخلاصي يتمّ عن طريق آلام وموت شاهده (متى 16: 21، 26: 54 و56، لوقا 17: 25، 22: 37، 24: 7 و26 و44). وعلى كل حال. ألم يكن الاضطهاد والموت نصيب جميع الأنبياء (متى 5: 12، 23: 30- 31، أعمال 7: 52، 1 تسالونيكي 2: 15 عبرانيين 11: 36- 38)، فلا يمكن أن يكون ذلك على سبيل الصدفة، بل يرى يسوع في ذلك تخطيطاً إلهياً، يتم تحقيقه في شخصه (متى 23: 31- 32). لذلك فإنه "عزم على المضي" إلى أورشليم (لوقا 9: 51) "لأنه لا ينبغي أن يهلك نبي خارج أورشليم" (13: 33).
وقد جعلت هذه الآلام من يسوع الضحيّة التكفيرية بدل جميع ا الضحايا القديمة (عبرانيين9: 12- 14). ويكتشف المؤمن في ذلك قاعدة الاستشهاد: "ما من مغفرة بغير إراقة دم" (عبرانيين 9: 22).
ولا عجب إذا أطلقت الكنيسة فيما بعد على مريم لقب سلطانة الشهداء، وهي التي اشتركت اشتراكاً وثيقاً إلى أقصى حد في آلام ابنها (يوحنا 19: 25، راجع لوقا 2: 35).2. الشهيد المسيحي: إن استشهاد المسيح المجيد هو أساس الكنيسة: "فإذا رفعتُ من هذه الأرض جذبتُ إليَّ الناس أجمعين" (يوحنا 12: 32). فالكنيسة، وهي جسده المسيح مدعوة لأن تقدّم لله شهادة الدم من أجل خلاص البشر. ومن قبل. كان للجماعة اليهودية شهداؤها، وبخاصة في عهد المكابِيين (2 مكابيين 6، 7). ولكن في الكنيسة المسيحية، يتّخذ الاستشهاد معنى جديداً، يكشف عنه يسوع نفسه: إنه الإقتداء التام بالمسيح، والاشتراك الكامل في شهادته وفي عمله الخلاصي: "ما كان عبد أعظم من سيّده. فإذا اضطهدوني يضطهدونكم أيضاً" (يوحنا15: 20)، ويُنْبئُ يسوع أخصاءه الصميمين الثلاثة أنهم سوف يتبعونه في آلامه (مرقس 10: 39// يوحنا 21: 18- 20). ويكشف للجميع أن حبة الحنطة التي تموت في الأرض هي وحدها التي تخرج ثمرآ كثيراً (راجع يوحنا 12: 24). فهكذا كان استشهاد اسطفانوس الذي يذكر كثيراً بآلام الرب دافعاً لأول انتشار للكنيسة (أعمال 8 :4 - 5، 11: 19) ولهداية بولس (22: 20). ويعتبر كتاب الرؤيا أخيراً، بكل حق كتاب الشهداء، أولئك الذين اقتفوا أثر الشاهد الأمين الصادق(رؤيا 3: 14)، فقدموا للكنيسة والعالم شهادة دمهم. ويشد الكتاب كله بتجربتهم ومجدهم، وترمز إليها آلام شاهدَي الرب ومجدهما (لوقا 6: 9- 10، 7: 14 17، 11: 11- 12، 20: 4- 6).